للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله سبحانه وتعالى: وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ اختلف العلماء في السابقين الأولين فقال سعيد بن المسيب وقتادة وابن سيرين وجماعة: هم الذين صلوا إلى القبلتين. وقال عطاء بن أبي رباح: هم أهل بدر. وقال الشعبي: هم أهل بيعة الرضوان وكانت بيعة الرضوان بالحديبية. وقال محمد بن كعب القرظي هم جميع الصحابة لأنهم حصل لهم السبق بصحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال حميد بن زياد: قلت يوما لمحمد بن كعب القرظي ألا تخبرني عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بينهم وأردت الفتن فقال: إن الله قد غفر لجميعهم محسنهم ومسيئهم وأوجب لهم الجنة في كتابه فقلت له في أي موضع أوجب لهم الجنة فقال سبحان الله ألا تقرأ والسابقون الأولون إلى آخر الآية فأوجب الله الجنة لجميع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم زاد في رواية في قوله والذين اتبعوهم بإحسان قال شرط في التابعين شريطة وهي أن يتبعوهم في أعمالهم الحسنة دون السيئة. قال حميد:

فكأني لم أقرأ هذه الآية قط. واختلف العلماء في أول الناس إسلاما بعد اتفاقهم على أن خديجة أول الخلق إسلاما وأول من صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال بعض العلماء أول من آمن بعد خديجة علي بن أبي طالب وهذا قول جابر بن عبد الله ثم اختلفوا في سنة وقت إسلامه فقيل: كان ابن عشر سنين. وقيل: أقل من ذلك. قيل:

أكثر. وقيل: كان بالغا. والصحيح، أنه لم يكن بالغا وقت إسلامه. وقال بعضهم: أول من أسلم بعد خديجة أبو بكر الصديق وهذا قول ابن عباس والنخعي والشعبي وقال الزهري وعروة بن الزبير: أول من أسلم بعد خديجة زيد بن حارثة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان إسحاق بن إبراهيم الحنظلي يجمع بين هذه الروايات فيقول أول من أسلم من الرجال أبو بكر، ومن النساء خديجة، ومن الصبيان علي بن أبي طالب، ومن العبيد زيد بن حارثة رضي الله تعالى عنهم فهؤلاء الأربعة سباق الخلق إلى الإسلام. قال ابن إسحاق: فلما أسلم أبو بكر أظهر إسلامه ودعا الناس إلى الله ورسوله وكان رجلا محببا سهلا وكان أنسب قريش لقريش وأعلمها بما كان فيها وكان رجلا تاجرا وكان ذا خلق حسن ومعروف وكان رجال قومه يأتونه ويألفونه لعلمه وحسن مجالسته فجعل يدعو إلى الإسلام من يثق به من قومه فأسلم على يديه عثمان بن عفان والزبير بن العوام وعبد الرحمن بن عوف بن أبي وقاص وطلحة بن عبيد الله فجاء بهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسلموا على يده وصلوا معه فكان هؤلاء النفر الثمانية أول من سبق الناس إلى الإسلام ثم تتابع الناس بعدهم في الدخول إلى الإسلام وأما السابقون من الأنصار فهم الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة وهي العقبة الأولى وكانوا ستة نفر «١» أسعد بن زرارة وعوف بن مالك ورافع بن مالك بن العجلان وقطبة بن عامر وجابر بن عبد الله بن رباب ثم أصحاب العقبة الثانية من العام المقبل وكانوا اثني عشر رجلا ثم أصحاب العقبة الثالثة وكانوا سبعين رجلا منهم البراء بن معرور وعبد الله بن عمرو بن حرام أبو جابر وسعد بن عبادة وسعد بن الربيع وعبد الله بن رواحة فهؤلاء سباق الأنصار ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم مصعب بن عمير إلى أهل المدينة يعلمهم القرآن فأسلم على يده خلق كثير من الرجال والنساء والصبيان من أهل المدينة وذلك قبل أن يهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وقيل: إن المراد بالسابقين الأولين من سبق إلى الهجرة والنصرة والذي يدل عليه أن الله سبحانه وتعالى ذكر كونهم سابقين ولم يبين بماذا سبقوا فبقي اللفظ مجملا فلما قال تعالى من المهاجرين والأنصار ووصفهم بكونهم مهاجرين وأنصارا وجب صرف اللفظ المجمل إليه وهو الهجرة والنصرة والذي يدل عليه أيضا أن الهجرة طاعة عظيمة ومرتبة عالية من حيث إن الهجرة أمر شاق على النفس لمفارقة الوطن والعشيرة وكذلك النصرة فإنها مرتبة عالية ومنقبة شريفة لأنهم نصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم على أعدائه وآووه وواسوه وآووا أصحابه وواسوهم فلذلك أثنى الله عز وجل عليهم ومدحهم فقال سبحانه وتعالى:

وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ.


(١) قوله ستة نفر المعدود هنا خمسة والسادس عقبة بن عامر كما في المواهب.

<<  <  ج: ص:  >  >>