وقال الزجاج: التائبون رفع بالابتداء وخبره مضمر. والمعنى: التائبون إلى آخره لهم الجنة أيضا وإن لم يجاهدوا غير معاندين ولا قاصدين بترك الجهاد وهذا وجه حسن فكأنه وعد بالجنة جميع المؤمنين. كما قال تعالى: وكلا وعد الله الحسنى ومن جعله تابعا للأول، كان الوعد بالجنة خاصا بالمجاهدين الموصوفين بهذه الصفات، فيكون رفع التائبون على المدح يعني المؤمنين المذكورين في قوله: إن الله اشترى. وأما التفسير:
فقوله سبحانه وتعالى التائبون يعني الذين تابوا من الشرك وبرئوا من النفاق. وقيل: التائبون من كل معصية فيدخل فيه التوبة من الكفر والنفاق. وقيل: التائبون من جميع المعاصي، لأن لفظ التائبين لفظ عموم فيتناول الكل. واعلم أن التوبة المقبولة إنما تحصل بأمور أربعة: أولها احتراق القلب عند صدور المعصية، وثانيها الندم على فعلها فيما مضى، وثالثها العزم على تركها في المستقبل، ورابعها أن يكون الحامل له على التوبة طلب رضوان الله وعبوديته فإن كان غرضه بالتوبة تحصيل مدح الناس له ودفع مذمتهم فليس بمخلص في توبته.
الْعابِدُونَ يعني المطيعين لله الذين يرون عبادة الله واجبة عليهم وقيل هم الذين أتوا بالعبادة على أقصى وجوه التعظيم لله تعالى وهي أن تكون العبادة خالصة لله تعالى: الْحامِدُونَ يعني الذين يحمدون الله تعالى على كل حال في السراء والضراء.
روى البغوي بغير سند عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أول من يدعى إلى الجنة يوم القيامة، الذين يحمدون الله في السراء والضراء. وقيل: هم الذين يحمدون الله ويقومون بشكره على جميع نعمه دنيا وأخرى السَّائِحُونَ قال ابن مسعود وابن عباس: هم الصائمون. قال سفيان بن عيينة: إنما سمي الصائم سائحا لتركه اللذات كلها من المطعم والمشرب والنكاح. وقال الأزهري: قيل للصائم سائح لأن الذي يسيح في الأرض متعبدا لا زاد معه فكان ممسكا عن الأكل وكذلك الصائم ممسك عن الأكل. وقيل: أصل السياحة استمرار الذهاب في الأرض كالماء الذي يسيح والصائم مستمر على فعل الطاعة وترك المنهي وقال عطاء: السائحون هم الغزاة المجاهدون في سبيل الله ويدل عليه ما روي عن عثمان بن مظعون قال قلت يا رسول الله ائذن لي في السياحة. فقال: إن سياحة أمتي الجهاد في سبيل الله ذكره البغوي بغير سند. وقال عكرمة: السائحون هم طلبة العلم لأنهم ينتقلون من بلد إلى بلد في طلبه وقيل إن السياحة لها أثر عظيم في تهذيب النفس وتحسين أخلاقها لأن السائح لا بد أن يلقى أنواعا من الضر والبؤس ولا بد له من الصبر عليها ويلقى العلماء والصالحين في سياحته فيستفيد منهم ويعود عليه من بركتهم ويرى العجائب وأثار قدرة الله تعالى فيتفكر في ذلك فيدله على وحدانية الله سبحانه وتعالى وعظيم قدرته الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ يعني المصلين وإنما عبر عن الصلاة بالركوع والسجود، لأنهما معظم أركانها وبهما يتميز المصلي من غير المصلي بخلاف حالة القيام والقعود لأنهما حالة المصلي وغيره الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ يعني يأمرون الناس بالإيمان بالله وحده وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ يعني عن الشرك بالله. وقيل: إنهم يأمرون الناس بالحق في أديانهم واتباع الرشد والهدى والعمل الصالح وينهونهم عن كل قول وفعل نهى الله عباده عنه أو نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الحسن: أما أنهم لم يأمروا الناس بالمعروف حتى كانوا من أهله ولم ينهوا عن المنكر حتى انتهوا عنه وأما دخول الواو في والناهون عن المنكر فإن العرب تعطف بالواو على السبعة ومنه قوله سبحانه وتعالى: وثامنهم كلبهم وقوله تعالى في صفة الجنة: وفتحت أبوابها.
وقيل: فيه وجه آخر وهو أن الموصوفين بهذه الصفات الست هم الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر، فعلى هذا يكون قوله تعالى التائبون إلى قوله الساجدون مبتدأ خبره الآمرون يعني هم الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر وَالْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ قال ابن عباس: يعني القائمين بطاعة الله وقال الحسن: الحافظون لفرائض الله وهم أهل الوفاء ببيعة الله. وقيل: هم المؤدون فرائض الله المنتهون إلى أمره ونهيه فلا يضيعون شيئا من العمل الذي ألزمهم به ولا يرتكبون منهيا نهاهم عنه وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ يعني بشر يا محمد المصدقين بما وعدهم الله به