السلام خمس عشرة ليلة لم يأته ضيف فاغتم لذلك وكان يحب الضيف ولا يأكل إلا معه فلما جاءت الملائكة رأى أضيافا لم ير مثلهم قط فعجل قراهم وجاءهم بعجل سمين مشوي فَلَمَّا رَأى أَيْدِيَهُمْ يعني أيدي الأضياف لا تَصِلُ إِلَيْهِ يعني إلى العجل المشوي نَكِرَهُمْ يعني أنكرهم وأنكر حالهم وإنما أنكر حالهم لامتناعهم من الطعام وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً يعني ووقع في قلبه خوف منهم والوجوس هو رعب القلب وإنما خاف إبراهيم صلى الله عليه وسلم منهم لأنه كان ينزل ناحية من الناس فخاف أن ينزلوا به مكروها لامتناعهم من طعامه ولم يعرف أنهم ملائكة وقيل إن إبراهيم عرف أنهم ملائكة لما قدمه إليهم لمعلمه أن الملائكة لا يأكلون ولا يشربون ولأنه خافهم ولو عرف أنهم ملائكة وإنما خاف أن يكونوا نزلوا بعذاب قومه فخاف من ذلك والأقرب أن إبراهيم عليه السلام لم يعرف أنهم ملائكة في أول الأمر ويدل على صحة هذا أنه عليه السلام قدم إليهم الطعام ولو عرف أنهم ملائكة لما خافهم فلما رأت الملائكة خوف إبراهيم عليه السلام قالُوا لا تَخَفْ يا إبراهيم إِنَّا ملائكة الله أُرْسِلْنا إِلى قَوْمِ لُوطٍ وَامْرَأَتُهُ يعني سارة زوجة إبراهيم وهي ابنة هاران بن ناحوراء وهي ابنة عم إبراهيم قائِمَةٌ يعني من وراء الستر تسمع كلامهم، وقيل: كانت قائمة في خدمة الرسل وإبراهيم جالس معهم فَضَحِكَتْ أصل الضحك انبساط الوجه من سرور يحصل للنفس ولظهور الأسنان عنده سميت مقدمات الأسنان الضواحك ويستعمل في السرور المجرد وفي التعجب المجرد أيضا وللعلماء في تفسير هذا الضحك قولان أحدهما أنه الضحك المعروف وعليه أكثر المفسرين ثم اختلفوا في سبب هذا الضحك فقال السدي لما قرب إبراهيم الطعام إلى أضيافه فلم يأكلوا خاف إبراهيم منهم فقال ألا تأكلون فقالوا إنا لا نأكل طعاما إلا بثمن قال فإن له ثمنا قالوا وما ثمنه قال تذكرون اسم الله على أوله وتحمدونه على آخره فنظر جبريل إلى ميكائيل وقال حق لهذا أن يتخذه ربه خليلا فلما رأى إبراهيم وسارة أيديهم لا تصل إليه ضحكت سارة وقالت يا عجبا لأضيافنا نخدمهم بأنفسنا تكرمة لهم وهم لا يأكلون طعامنا، وقال قتادة: ضحكت من غفلة قوم لوط وقرب العذاب منهم، وقال مقاتل والكلبي: ضحكت من خوف إبراهيم من ثلاثة وهو فيما بين خدمه وحشمه وخواصه وقيل: ضحكت من زوال الخوف عنها وعن إبراهيم وذلك أنها خافت لخوفه فحين قالوا لا تخف ضحكت سرورا وقيل ضحكت سرورا بالبشارة، وقال ابن عباس ووهب: ضحكت تعجبا من أن يكون لها ولد على كبر سنها وسن زوجها فعلى هذا القول يكون في الآية تقديم وتأخير تقديره فبشّرناها بإسحاق فضحكت يعني تعجبا من ذلك وقيل إنها قالت لإبراهيم اضمم إليك ابن أخيك لوطا فإن العذاب نازل بقومه فلما جاءت الرسل وبشّرت بعذابهم سرّت سارة بذلك وضحكت لموافقة ما ظنت.
القول الثاني: في معنى قوله فضحكت قال عكرمة ومجاهد أي حاضت في الوقت وأنكر بعض أهل اللغة ذلك، قال الراغب: وقول من قال حاضت ليس ذلك تفسيرا لقوله فضحكت كما تصوره بعض المفسرين فقال ضحكت بمعنى حاضت وإنما ذكر ذلك تنصيصا لحالها فإن جعل ذلك أمارة لما بشرت به بحيضها في الوقت لتعلم أن حملها ليس بمنكر لأن المرأة ما دامت تحيض فإنها تحمل وقال الفراء: ضحكت بمعنى حاضت لم نسمعه من ثقة، وقال الزجاج: ليس بشيء ضحكت بمعنى حاضت، وقال ابن الأنباري: قد أنكر الفراء وأبو عبيدة أن يكون ضحكت بمعنى حاضت وقد عرفه غيرهم وأنشد:
تضحك الضبع لقتلى هذيل ... وترى الذئب بها يستهل
قال: أراد أنها تحيض فرحا وقال الليث في هذه الآية فضحكت أي طمثت وحكى الأزهري عن بعضهم في قوله فضحكت أي حاضت قال: ويقال أصله من ضحاك الطلعة إذا انشقت، قال: وقال الأخطل فيه بمعنى الحيض: