للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَفِي " صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ "، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: «لَقَدْ كُنَّا نَسْمَعُ تَسْبِيحَ الطَّعَامِ وَهُوَ يُؤْكَلُ» . يَعْنِي بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَكَلَّمَهُ ذِرَاعُ الشَّاةِ الْمَسْمُومَةِ، وَأَعْلَمَهُ بِمَا فِيهِ مِنَ السُّمِّ، وَشَهِدَتْ بِنُبُوَّتِهِ الْحَيَوَانَاتُ الْإِنْسِيَّةُ وَالْوَحْشِيَّةُ، وَالْجَمَادَاتُ أَيْضًا، كَمَا تَقَدَّمَ بَسْطُ ذَلِكَ كُلِّهِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ صُدُورَ التَّسْبِيحِ مِنَ الْحَصَا الصِّغَارِ الصُّمِّ الَّتِي لَا تَجَاوِيفَ فِيهَا أَعْجَبُ مِنْ صُدُورِ ذَلِكَ مِنَ الْجِبَالِ، لِمَا فِيهَا مِنَ التَّجَاوِيفِ وَالْكُهُوفِ، فَإِنَّهَا وَمَا شَاكَلَهَا تُرَدِّدُ صَدَى الْأَصْوَاتِ الْعَالِيَةِ غَالِبًا، كَمَا كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ إِذَا خَطَبَ - وَهُوَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ - بِالْحَرَمِ الشَّرِيفِ، تُجَاوِبُهُ الْجِبَالُ ; أَبُو قُبَيْسٍ وَزُرْزُرٌ، وَلَكِنْ مِنْ غَيْرِ تَسْبِيحٍ، فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ مُعْجِزَاتِ دَاوُدَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَمَعَ هَذَا فَتَسْبِيحُ الْحَصَا فِي كَفِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ أَعْجَبُ.

وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: فَإِنْ قِيلَ: سُخِّرَتْ لَهُ الطَّيْرُ. فَقَدْ سُخِّرَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ الطَّيْرِ الْبَهَائِمُ الْعَظِيمَةُ ; الْإِبِلُ فَمَا دُونَهَا، وَمَا هُوَ أَعْسَرُ وَأَصْعَبُ مِنَ الطَّيْرِ ; السِّبَاعُ الْعَادِيَّةُ الضَّارِيَةُ، تَتَهَيَّبُهُ وَتَنْقَادُ إِلَى طَاعَتِهِ ; كَالْبَعِيرِ الشَّارِدِ الَّذِي سَجَدَ لَهُ، وَالذِّئْبِ الَّذِي نَطَقَ بِنُبُوَّتِهِ وَالتَّصْدِيقِ بِدَعْوَتِهِ وَرِسَالَتِهِ. وَقَدْ تَقَدَّمَتْ أَسَانِيدُ ذَلِكَ كُلِّهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>