واحةً تتفيئ ظلالها من هجير الحياة وقسوتها إلا واحداً من نفحات الكلمة التي تفيض بألوان من أشكال الفكر الإنساني التي تصور ألوان الجمال الذي وهبه الله وتعبر عنه في لواحات أدبية يجمعها اسم الشعر وبحره في الجزر وفي المد, ونبل المقصد, وهدف الإنشاد الذي يحاكي الطبيعة ويصفها, ويوقظ المشاعر ويحركها, ويؤنس الأطيار في أوكارها ويطربها, وينهض بالأفكار وينعشها, وينبه الضمائر ويشوقها, إلى عطاء بارئها, والعمل على ما يوصلها إلى كل ما فيه نفعها وسعادتها, فلا عليك إن استمعت إلى قوافيه وبحوره, ورددت بعض القصائد في سفرك وإقامتك.
وهذا الرسول العظيم والنبي الكريم وختام الأنبياء والمرسلين محمد عليه وعلى آله وأصحابه أفضل الصلاة والتسليم, الذي هديه دين مستقيم, كان يستمع إلى الشعر, ويقره ولا ينكره, إلا ما خرج عن الصواب.
وقد قال رجل لمحمد بن سيرين: ما تقول في الغَزل الرقيق يُنشده الإنسان في المسجد، فسَكت عنه حتى أُقيمت الصلاة وتقدَم إلى المحراب فالتفت إليه، فقال:
وتبرد بَرد رداء العرو ... س في الصَّيف رَقرقتَ فيه العَبيرا
وَتسخن ليلةَ لا يَسْتطيع ... نُباحاً بها الكلبُ إلا هَريرا
ثم قال: الله أكبر.
وقال العجاّج: دخلتُ المدينة فقصدتُ إلى مسجد النبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم فإذا بأبي هُريرة قد أكب الناس عليه يسألونه، فقلت: أفرجوا لي عن وجهه, فأفرج لي عنه, فقلت له: إني إنما أقول: