ولم يزل الأدب من بين علوم العرب في المقام الأعلى, والمحل الأسمى ثماره بالخير يانعة مادته وصياغته في جميع الصور التي تمثل نتاجه, وتزخر بها أمواجه, وتجوب بها مفاوزه وفجاجه, سواءً كان ذلك مما يتمثل في تصوير إحساسات وخلجات نفس تجاه عظمة الله جل وعلا, وما أودعه الكون بما فيه من جمال وأسرار هي آية لأولي العقول والأبصار, أم حيال آلام الإنسانية في هذه الحياة وآمالها الخيرة في هذا الاتجاه, أم أن ذلك كان تعبيراً عن أفكار ترشد الفرد أو المجتمع أو الإنسانية بأسرها إلى مفاوز الخير والصلاح والنجاح والفلاح, أو تبعدها عن طرق الشر بأشكاله المختلفة, ويستوي أن يكون ذلك الإنتاج الأدبي قد جاء في شكل شعرٍ منظوم, أو مثل سائرٍ مفهوم, أو قصةٍ أو فلسفةٍ تكشف عن واقع, أو توصل إلى حقيقة, حتى وإن كان ذلك تصويراً لنماذج من حالات الإنسان ومواقفه المختلفة, أو غير ذلك, فإننا قد حاولنا أن نودع شيئاً من ذلك فيما ضمّنَّاه في فصول كتابنا هذا, كل فصل حوى لوناً مما تقر به عين الناظر, ويسلو به خاطره, وتطيب حاله في سفره وحضره مما سجعت به بلابل أقلام العرب, وتداوله الثقات الأعلام من الباحثين الكرام, فأضاءت به الأيام من غير استقصاءٍ لكلامهم أو تطويلٍ في نقل أبحاثهم أو إيجاز يخل بكلامهم, وإن لم نشأ التوسع في ذلك فلكي لا يدرك القارئ الملل, إذ لو أردنا التوسع والاستقصاء لكان كل فصل في مادته التي يحوي مما يحتاج إلى كتاب, بل إلى كتب, وليس من المرغوب والمحبب للنفس أن يتعمق الإنسان فيما لا طائل تحته,