للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فتجوز وصيته كما تجوز هبته.

ولأنا لو أبطلنا وصيتَه يوضع في بيت المال، والموصي له من جملة المسلمين لو خَصّه الإمام بذلك، يصح تخصيصه، فإذا خصه صاحب المال، وهو متصرف بحكمِ الملك، صح تخصيصه بطريق الأولى (١).

ومنها: أن الوصية للوارث لا تعمل من غير إجازة الورثة، قلّت الورثة أو كثرت؛ لقوله عليه السلام: "لا وصية للوارث" (٢)، وعليه إجماع المسلمين (٣).


=استعمال اللفظ في جواز الوصية بجميع المال على ظاهره ومقتضاه، ويدلّ عليه قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث سعد: "إنك أن تدع ورثتك أغنياءَ خيرٌ من أنْ تدعهم عالةً يتكففون الناس" (أخرجه الستة: البخاري ٢٧٤٢ ومسلم ١٦٢٨ وأبو داود ٢٨٦٤ والترمذي ٢١١٦ وابن ماجه ٢٧٠٨) فأخبر أن منع الوصية بأكثر من الثلث إنما هو لحق الورثة، ويدل عليه حديث الشعبي وغيره عن عمرو بن شرحبيل قال: قال عبد الله بن مسعود: "ليس من حيّ من العرب أحرى أن يموت الرجل منهم ولا يُعرف له وارث منكم معشرَ همدان، فإذا كان ذلك فليضع ماله حيث أحبّ"، ولا يُعلم له مخالف من الصحابة. راجع "أحكام القرآن" للجصاص، ٢/ ١٢٥.
(١) لأن عامة المسلمين لا يستحقونه ميراثا، وإذا لم يأخذوه ميراثا وإنما كان للإمام صَرفه إلى حيث يرى؛ لأنَّه لا مال له، فمالكه أولى بصرفه إلى من يرى. ومن جهة أخرى أنهم إذا لم يأخذوه ميراثا، أشبه الثلث الذي يوصي به الميت ولا ميراث فيه، فله أن يصرفه إلى من شاء، فكذلك بقية المال إذا لم يستحقه الوارث، كان له صرفه إلى من شاء. انظر "أحكام القرآن"، ٢/ ١٢٥.
(٢) عن شرحبيل بن مسلم قال سمعت أبا أمامة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله قد أعطى كل ذي حقٍ حقّه، فلا وصية لوارث". أخرجه الترمذي في كتاب الوصايا، باب ما جاء لا وصية لوارث، الحديث: ٢١٢٠. وابن ماجه في كتاب الوصايا، باب لا وصية لوارث الحديث: ٢٧١٣. وأخرجه أبو داود في كتاب الإجارة، باب في تضمين العارية، الحديث: ٣٥٦٥. وأخرجه الطيالسي الحديث: ١١٢٧، والبيهقي ٦/ ٢٦٤، وأحمد في مسند. ٥/ ٢٦٧، كلهم من حديث أبي أمامة.
وورد من حديث عمرو بن خارجة: أن النبي صلى الله عليه وسلم خَطبَهم وهو على راحلته، وإن راحلتَه لَتَقصَعُ بِجرتّها، وإن لُغامَها ليسيل بين كَتفيّ، قال: "إن اللهَ قَسّم لكل وارث نصيبَه من الميراث، ولا يجوز لوارث وصيةٌ"، أخرجه ابن ماجه في الوصايا، الحديث: ٢٧١٢، والنسائي في الوصايا، الحديث ٣٦٤٣، والدارمي الحديث ٣١٤٢ والطيالسي الحديث ١٢١٧، وأحمد في مسنده ٤/ ١٨٦، ١٨٧، ٢٣٨، ٢٣٩، وأخرجه الترمذي في الوصايا الحديث ٢١٢١، وقال الترمذي عقب الحديثين: حسن صحيح، وله طرق أخرى أوردها الزيلعي في نصب الراية ٤/ ٤٠٣، فهو يرقى إلى درجة الصحيح بمجموع طرقه.
(٣) قال الإمام ابن المنذر: أجمعوا على أنه لا وصية لوارث إلا أن يجيز ذلك. انظر: "الإجماع" لابن المنذر ص ٧٣، والأوسط ٢/ ١٣٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>