للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كان بطريق العقوبة لا يسوى بينهما، بل إنما لا نصح الوصية لدفع الغيظ عن الورثة، كيلا يزاحم في الميراث من تسعى في دم أبيهم، فإذا أجازوا جاز.

وهذا بخلاف الميراث؛ لأن ردّ العبد وإجازته إنما يعمل في تمليك العباد، أما ما يثبت من جهة الشرع فليس إلى العباد ردّه وإثباته، والميراث ثبت من جهة الشرع، لا صنع للعبد فيه، فلا تعمل إجازته في ذلك، كما لا يعمل رده وإبطاله، وإيثار الأبعد على نفسه.

ومنها: أن الوصايا إذا اجتمعت بدئ بالأقوى؛ لأن الأدني لا يزاحم الأقوى (١).

ومنها: ما ذكرنا في باب العروس أن الوصية إذا بطلت لوصية فوقها، تبطل ضربا واستحقاقا عند الكل، وإذا بطلت فيما زاد على الثلث لحق الوارث، فكذلك في قول أبي حنيفة تبطل أصلا، وعند أبي يوسف ومحمد تبطل استحقاقا، ولا تبطل ضربا (٢).

لأبي حنيفة: أن الميراث أقوى من الوصية؛ لأن الميراث ثبت بإيجاب الشرع وأنَّه لا يحتمل الرد والوصية تحتمل الرد. ثم الاستحقاق بالوصية يبطل حق الآخر أصلا، فالاستحقاق بالميراث أولى.

ولهما: أن الوارث يبطل تصرف المورث لدفع الضرر عن نفسه، وضرره في الاستحقاق لا في الضرب، فبقيت الوصية فيما لا يتضرر به الوارث، بخلاف الاستحقاق بالوصية القوية؛ لأن ثمة الموصى هو الذي أبطل وصيته، وله ولاية مطلقة.


=١٠/ ٤١٣. ومختلف الرواية ٧/ ٣٣٧١.
(١) فإن تساوت الوصايا في القوة، بأن كان كلها فرائض أو واجبات أو نوافل، بدئ بما قدّمه الموصى إذا ضاق عنها الثلث لأن الظاهر من حال الإنسان أن يبتدئ بالأهم. انظر (الهداية، و"فتح القدير" ١٠/ ٥٠٢، ٥٠٣.
(٢) انظر "مختلف الرواية" ٧/ ٣٣٠٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>