للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقتلون؛ لأن القتل يسقط بالشبهات (١)، وشبهة الأمان هي (٢) ثابتة، والشبهة تكفي لدرء القتل، ولا تكفي لدفع الرق، كما في حق النساء والصبيان.

وجه ظاهر الرواية: أن السبي عرف في كافر أخرج عن منفعته قهرا، ولم يوجد، ألا ترى أن من أخرج عن المنفعة قهرا، يجوز سبيه وإن أسلم بعد القهر، وهؤلاء لو أسلموا لا يجوز استرقاقهم، علم أن قتالهم يخالف حال من أخرج عن منفعته قهرا.

واستشهد محمد -رحمه الله- لإيضاح هذه المسألة، فقال: ألا ترى أنه لو وقع الصلح بيننا وبين أهل الحرب (٣) بشرط الرهن من الجانبين، على أنه إن غدر أحد الفريقين، وقتل الرهن، فدماء الرهن الآخر حلال، فقتلوا رهنَنا، أيحل لنا أن نقتل رهنهم، ولم يوجد الغدر والخيانة من الرهن، لكنا نجعلهم ذمة يؤدون الجزية؛ لأنه تعذر ردّ رَهنهم لفوات الشرط، وهو ردّ رهننا، فصاروا محتبسين في دار الإسلام، كذلك هنا.

وقد وقعت مسألة الرهن في زمن أبي حنيفة رحمه الله، فجمع أبو جعفر العلماء يستشيرهم، فأشاروا بقتل الرهن، فسأل أبا حنيفة، فقأل: ليس لك أن تقتلهم، فقال: ولم؟ وقد شرطنا عليهم شرطا، وكتبنا بذلك كتابا، فقال أبو حنيفة: " شرط الله أوثق، وكتاب الله أحق"، قال وما ذاك؟ قال: "كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه، ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، وتلا قوله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} (٤) فكيف تأخذ الرهن بجناية غيرهم، فغضب الخليفة، وقال: ما دعوتك لشئ إلا جئتني


(١) في (ج) و (د): "الشبهة".
(٢) فى (ج) و (د): "هنا".
(٣) في (ج) و (د): "بينهم".
(٤) سورة الفاطر، الآية: ١٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>