للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكذا شيخ، لو صلى قائما سلَس بوله، أو سال جرحه، أو لا يقدر على القراءة، ولو صلى قاعدًا، لم يُصبه شيء من ذلك، فإنه يصلي قاعدًا، يركع، ويسجد) لأنَّهُ ابتُلي


= قدامة ١/ ٧٨٢، وهذا ما قاله عدد من الفقهاء الحنفية، منهم الإمام زفر كما في "بدائع الصنائع" ١/ ١٠٧، والإمام خواهر زاده محمد بن محمود بن عبد الكريم الكَردري، كما في "فتح القدير" ١/ ٣٧٧، وهذا ما اختاره صاحب "النهر الفائق شرح كنز الدقائق" عمر بن إبراهيم أخ العلامة ابن نجيم، فقال: "يفرض عليه أن يقوم للقراءة، فإذا جاء أوان الركوع والسجود أومأ قاعدا" نقل عنه في "ردّ المحتار" ١/ ٥٠٩، والذي ذكره في النهر، أقرّه عليه الطحطاوي في حاشيته على "مراقي الفلاح" ص ٢٥٢، ويميل إليه ابن الهمام، فتعقّب على ما قاله المرغيناني بقوله: "هذا مبنيّ على صحة المقدمة القائلة: ركنية القيام ليس إلا للتوسل إلى السجود، وقد أثبتها بقوله: لما فيها من زيادة التعظيم، أي السجدة على وجه الانحطاط من القيام، فيها نهاية التعظيم وهو المطلوب، فكان طلب القيام لتحقيقه، فإذا سقط سقط ما وجب له، وقد يمنع أن شرعيته لهذا على وجه الحصر، بل له ولما فيه نفسه من التعظيم كما يشاهد في الشاهد من اعتباره كذلك، حتَّى يحبّه أهل التجبر لذلك، فإذا فات أحد التعظمين صار مطلوبا بما فيه نفسه، ويدل على نفي هذه الدعوى أن من قدر على القعود والركوع والسجود لا القيام، وجب عليه القعود مع أنه ليس في السجود عقيبه تلك النهاية لعدم مسبوقيته بالقيام "فتح القدير" ١/ ٣٧٧.
وما قاله صاحب "النهر" هو الأولى والأحوط عندي من وجوب القيام لمن قدر عليه، لأن القيام والركوع ركن من أركان الصلاة، وأمره عظيم، والتعليلات العقلية لا تبرّر لسقوطه مع القدرة عليه، وظاهر حديث عمران بن حصين: "صلّ قائما فإن لم تستطع فقاعدا" (أبو داود ٩٥٢، الترمذي ٣٧٢، النسائي ١٢٢٣) مؤيد له، والعجز عن إتيان بعض أركان الصلاة لا يقتضي سقوط سائرها، فإن الميسور لا يسقط بالمعسور، والضرورة تتقدر بقدرها، كما تجدر الإشارة هنا بأن الإمام قاضي خان تبنّى في ثنايا هذا الباب قاعدة أخرى تتفرّع من قاعدة الباب وهي: "ترك فريضة واحدة أهون من ترك الفرائض"، ص ٢٤٣، فهذه القاعدة أيضًا تؤيد ما قلناه آنفا.

<<  <  ج: ص:  >  >>