للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان خزّازًا ينفق من كسبه ولا يقبل جوائز السلطان تورعًا، وله دار وصُنّاع ومعاش متّسع، وكان معدودًا من الأجواد والأسخياء، والأولياء الأذكياء، مع الدين والعبادة والتهجد وكثر التلاوة وقيام الليل رضي الله عنه (١).

والإمام محمد الشيباني كان من أجل تلامذته لتأثره بإمامه، لا سيما في طرق الاستنباط وتفريع المسائل، فكان يوافق شيخَه في أغلب المسائل ويخالفه في بعضها.

ومحمد في فترة تلمذه للإمام أبي حنيفة لم يكن يكتفي بالسماع والمشاركة في تحقيق المسائل، فقد كان مع هذا يدوّن ويسجّل ويحرص على ذلك حرصًا شديدًا، وكان لذلك أثر كبير في حياة محمد الباكرة بما قام به بعد أن استحصد علمه بتدوبن الفقه وتصنيفه في سورة لم يسبق بها، وكانت نبراسًا لسائر الفقهاء من بعده.

قال زفر: كنا نختلف إلى أبي حنيفة ومعنا أبو يوسف ومحمد بن الحسن، فكنا نكتب عنه، فقال يومًا لأبي يوسف: ويحك يا يعقوب لا تكتب ما تسمعه مني فإني قد أرى الرأي اليوم فأتركه غدًا، والرأي غدًا فأتركه بعد غد (٢).

وكان أبو حنيفة وهو الأستاذ الذي اهتم بتربية الرجال أكثر من اهتمامه بتأليف الكتب - يؤثر تلميذه بمزيد من رعايته وحدبه، وهكذا قامت الصلة بين الأستاذ والتلميذ على التقدير والحب والرعاية والعطف، تخلّف محمد عن الحلقة يومًا، وعرف الأستاذ أن تلميذه مريض فذهب يعوده (٣)، ومرض أبو يوسف مرضًا خيف عليه منه، فعاده أبو حنيفة وكان معه تلميذه محمد (٤).

٢ - الإمام محمد بن يوسف (١٨٣ هـ): هو يعقوب بن إبراهيم، الإمام المجتهد المحدث، قاضي القضاة، ولد في الكوفة سنة ١١٣ هـ. وحدّث عن هشام بن


(١) "تاريخ الإسلام"، للذهبي ص ٣٠٦.
(٢) "تاريخ بغداد" ١٣/ ٤٠٢، وانظر "حسن التقاضي في سيرة الإمام أبي يوسف القاضي" للشيخ الكوثري ص ١٢، ط/ الخانجي.
(٣) مناقب الكردري ٢/ ١٥٥.
(٤) تاريخ بغداد ١٤/ ٢٤٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>