للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجماع والطلاق.

أما خُلوّ الطهر عن الجماع: لأن الجماع سبب لنقصان الرغبة، وخلوّه عن الطلاق، لأن الحاجة تندفع بالطلاق الأوّل، فلا تَتَجدّد الحاجة إلى الثاني إلّا بتَجدّد الزمان، ولم يوجد.

وأما خلوّ الحيض عن الجماع: لأن الجماع في الحيض سبب لنقصان الرغبة في الطهر بعده، وخلوّه عن الطلاق، لأن الحاجة إنما تتجدّد بعد تَخلّل زمان كثير بين الأوّل والثاني، وليس بين الجزء الأوّل من الطهر، والجزء الآخر من الحيض زمانٌ كثير تَتجدّد فيه الحاجة.

فإن حاضت وطهُرت، فقال الزوج: "كنت جامعتُها في الحيض"، فأنكرت (١)، فالقول قولها، لأن الطلاق واقع ظاهرًا لوجود وقته ظاهرًا، فكان الزوج مدّعيًا أمرًا حادثًا لا يملك إنشاءَه، وفيه إبطال الطلاق الواقع من حيث الظاهر، فلا يصدّق.

كالمُولِي إذا قال بعد انقضاء المدة: "كنت فِئت (٢) إليها في المدة"، لا يقبل قوله، وإن كان ذلك قبل انقضاء مدة الإيلاء (٣)، قُبِل قوله (٤)، كذلك هنا.


= في هذا الزمان إلا لعدم موافقة الأخلاق. "النكت" ص ٣، للإمام السرخسي، وهو شرح زيادات الزيادات، حقّقه الأستاذ أبو الوفاء الأفغاني، طبع إحياء المعارف النعمانية، حيدر آباد، الهند. وانظر "المبسوط" ٦/ ٧.
(١) في النسخ الأخرى: "وانكرت".
(٢) من الفيئ، وهو الرجوع، فاء الرجلُ، يفيئ فيئًا، رجَعَ، يقال: فاء الظل، رجع من جانب المغرب إلى جانب المشرق، وفاء المولِي فَيئة، رجع عن يمينه إلى زوجته، ومنه قوله تعالى في آية الإيلاء: {فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: ٢٢٦] "المصباح المنير" مادة: فاء، ص ٤٨٦.
(٣) الإيلاء: مصدر آلى يولي إيلاءً، فهو مؤل، في اللغة اليمين مطلقًا، وائتلى يأتل كذلك، ومنه قوله سبحانه تعالى: {وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ} [النور: ٢٢].
أما شرعًا: فعرّفه الجرجاني بقوله: هو اليمين على ترك وَطء المنكوحة مدةً، مثل: "والله لا أجامعك أربعة أشهر"، وعرّفه ابن الهمام بأنه: "اليمين على ترك قربان الزوجة أربعة أشهر فصاعدًا بالله تعالى أو بتعليق ما يستشقّه على القربان"، لكن أشمل تعريف له هو ما عرّف به قاضي خان في فتاواه: الإيلاء: "منع النفس عن قِربان المنكوحة منعًا مؤكدًا باليمين بالله تعالى أو غيره من طلاق أو عتاق أو صوم أو حج ونحو ذلك، مطلقًا أو مؤقتًا بأربعة أشهر من الحرائر، وشهرين في الإماء من غير أن يتخلّلها وقت يمكنه قِربانها فيه من غير حنث". انظر: "المصباح المنير" ص ٢٠، "التعريفات" ص ٥٩، "طلبة الطلبة" ص ١٢٩، "أنيس الفقهاء" ص ١٦١، "فتح القدير" ٣/ ١٨٢، "فتاوى قاضي خان" ١/ ٥٤٤.
(٤) وإن ادّعى أنه قد جامعها فإن ادعى في الأربعة الأشهر، فالقول قوله، وإن ادعى ذلك بعد مضي المدة، لم يقبل قوله بناءً على الأصل المعروف: أنه متى أقرّ بما يملك إنشاءه لا يكون متّهمًا. انظر "المبسوط" ٧/ ٣١، و"مختصر اختلاف العلماء" لأبي بكر الجصاص، وهو اختصار كتاب "اختلاف العلماء" للإمام الطحاوي، تحقيق دكتور عبد الله نذير أحمد ٢/ ٤٨٣، الطبعة الأولى، دار البشائر الإسلامية، بيروت

<<  <  ج: ص:  >  >>