للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعندهما إن تمّ البيع فكذلك، وإن انتقض البيع (١) لا يضمن أيضًا، وإن أتلف (٢) مِلك البائع؛ لأن الأصل مضمون على المشتري بالثمن، فلا يضمن الكسب بالإتلاف؛ لما ذكرنا، وإن أتلفه البائع، لا ضمان عليه، هكذا ذكره في الكتاب، ولم يذكر فيه خلافا.

وهذا الجواب ظاهر على قولهما، فيما إذا انتقض العقد؛ لأنه أتلف ملك نفسه، أمّا إذا تمّ العقد، فهو مشكل على قولهما؛ لأنه أتلف ملك المشتري، وعلى قول أبي حنيفة مشكل على كل حال؛ لأنه أتلف ملك المشتري على كل حال.

قال الفقيه أبو جعفر: ما ذكر في الكتاب قولهما، أما على قول أبي حنيفة يضمن البائع على كل حال؛ لأنه أتلف ملك المشتري (٣).

وقال غيره من المشايخ: لا يضمن عند الكل؛ لأنه وإن أتلف ملك المشتري، لكن أتلَفه في حال، لو أتلف الأصل لا يضمن القيمة، بل يسقط الثمن عن المشتري، والكسب لا حصّة له من الثمن، ولو كان الكسب مضمونا عليه بالقيمة، كان التبع مخالفا للأصل.

هذا إذا حدث الكسب قبل القبض، فإن حدث عند المشتري، ثم انتقض البيع بينهما بخيار رؤية، أو شرط، أو عيب، سلم الكسب للمشتري؛ لأنه حدث في ملكهـ وضّمانه، فيكون له (٤)؛ لقوله عليه السلام: "الخَراج بالضّمان" (٥) في عين هذه الحادثة (٦)، والخَراج


(١) "البيع" ساقط من (ج) و (د).
(٢) انظر "مجمع الضمانات" ص ٢٤١.
(٣) راجع "بدائع الصنائع" ٧/ ١٦٤.
(٤) في "الفتاوى الهندية": ولو باع جارية على أنه بالخيار ثلاثة أيام فاكتسبت اكتسابًا عند البائع أو عند المشتري أو ولدت أولادًا فإن الكل يدور مع الأصل إن تم البيع بينهما يكون للمشتري وإن انفسخ بينهما يكون البائع. ٣/ ٤٧، وانظر "مجمع الضمانات" ص ٢١٩ و ٢٢٤ و ٢٤١.
(٥) هذا الحديث من قبيل جوامع الكلم، ومن القواعد التي بِنيتها من نصّ الحديث النبوي، ثم أجراها الفقهاء مجرى القواعد الفقهية، لشمولها كثيرا من الأحكام الشرعية العملية. واشتهرت عند الفقهاء بنفس الصيغة كقاعدة عامة، انظر: "مجلة الأحكام العدلية" مادة: ٨٥، و"الأشباه والنظائر" للسيوطي، ص ١٣٥، و"الأشباه والنظائر" لابن نجيم، ص ١٧٥.
(٦) إشارة إلى ما روي عن عائشة رضي الله عنها: أن رجلا اشترى عدا فاستغلّه، ثم وجد به عيبا فردّه، فقال: يا رسول الله! إنه قد استغلّ غلامي، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الخراج بالضمان". أخرجه ابن ماجة في سننه، في التجارات، باب الخراج بالضمان، الحديث: ٢٢٤٣. وأخرجه أبو داود في البيوع والإجارات، باب فيمن اشتري عبدا فاستعمله ثم وجد عيبا، الحديث: ٣٥١٠. وأخرجه الترمذي في سننه، في كتاب البيوع، باب ما جاء فيمن يشتري العبد ويستغله ثم يجد به عيبا، الحديث: ١٢٨٦. وأخرجه أحمد في مسنده ٦/ ٤٩ و ٢٣٧، والبيهقي في السنن الكبرى ٥/ ٣٢١ و ٣٢٢، ورواه الحاكم في المستدرك ٢/ ١٥٠، وانظر: "تلخيص الحبير" لابن حجر ٣/ ٢٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>