للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله: "ومن إضمار المصدر". ليس هذا من قياس باب الإضمار، وإنما هو إضمار بقرينة دلت عليه. فقولك: أظنه، هي القرينة الدالة على الظن، كقوله تعالى: {اعدلوا هو أقرب للتقوى} (١)، فالضمير للعدل، واعدلوا: دال عليه.

فأما ما جاء من قولهم في الدعوة المرفوعة، واجعله الوارث منا (٢)، وذلك بعد قوله: اللهم متعناً بأسماعنا وأبصارنا وأبداننا أبداً ما أحييتنا واجعله الوارث منا. "يحتمل عندي أن يوجه على هذا". قال الشيخ: محتمل عندي أن يوجه على أن الضمير في "واجعله" ضمير المصدر المؤكد لجعل، تقديره: اجعل جعلاً، وبعض الناس يقول: إنه ضمير المقدم ذكره مما عدد من الأسماع والأبصار وغيرها. وهذا باطل من حيث اللفظ والمعنى. أما اللفظ فلأن المقدم ذكره جمع والضمير مفرد، وكيف يكون ضمير الجمع مفرداً؟ بل لو كان ضميرها لكان يقول: واجعلها أو اجعلهن. وأما المعنى فكيف يستقيم أن يقال: واجعل ما هو عين ما يفنى ويورث الوارث منا؟ فتوجه على هذا ما ذكره صاحب الكتاب من الاحتمال (٣).

والقائل بأن الضمير للأسماع وللأبصار وغيرها، أن ذلك غير فاسد من حيث اللفظ والمعنى أيضاً. أما اللفظ فيجوز أن يكون الضمير لهن وإن كان مفردا، ويكون تقديره ذلك، أي: اجعل ذلك المقدم ذكره. وكيف لا يكون وقد قال تعالى: {ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكراً ورزقا


(١) المائدة: ٨.
(٢) هذه الدعوة من حديث للرسول - صلى الله عليه وسلم -. انظر سنن الترمذي (باب الدعوات: ٨٣).
(٣) وهو أن يكون من إضمار المصدر. والضمير في (اجعله) ضمير المصدر، والتقدير: اجعل جعلاً.

<<  <  ج: ص:  >  >>