للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مثل: أزيد ضربته؟ وما زيداً ضربته. ومنها: الأمر والنهي، واضح في اقتضائهما الفعل، حتى أن الرفع إنما يجوز بتأويل بعيد، ولذلك غلبت هذه القرينة قرينة الرفع الغالبة ما سوى الطلب من القرائن، وما ذاك إلا لقوتها في اقتضائها النصب حتى غلبت ما غلب غيرها. ومنها: عند خوف لبس المفسر بالصفة، وهذا وإن لم يذكره النحويون في هذا الباب فهو معلوم عند أهل اللغة، وقد ذكره المحققون من المفسرين، ولو لم يحترز عن ذلك لكان الرفع هو المختار في مثل: طإنا كل شيء خلقناه بقدر" (١). فإنه مثل قولك: زيد ضربته، وقد علم أن المختار الرفع، فكان يؤدي إلى أن يكون إجماع القراء على خلاف المختار، وهو غير سائغ.

ومعنى قوله: "عند خوف لبس المفسر بالصفة"، أنك إذا رفعت لم يدر هل قوله "خلقناه"، صفة لـ (شيء) ويكون قوله: "بقدر"، هو الخبر، أو يكون (خلقناه) هو الخبر الذي يصح النصب باعتبار كونه مفسراً، فحينئذ هل الإخبار عن أن كل شيء مخلوق لي بقدر، أم أن كل شيء مخلوق لي بقدر، وهما ختلفان لأن الأول على معنى الإخبار عن أن ما خلفه فهو بقدر لا الإخبار أنه خلق كل شيء. والمعنى في الثاني: أنه خلق كل شيء. فإذا قصد المتكلم إلى هذا المعنى الثاني اختير النصب رفعاً للبس المقدر عند الرفع، والمعنى ههنا على أنه خلق كل شيء (٢)، فاختير النصب لما يؤدي إليه الرفع من احتمال غير هذا المعنى على ما تقدم (٣).


(١) القمر: ٤٩.
(٢) فالرفع يوهم وجود شيء لا يقدر لكونه غير مخلوق له تعالى، كأفعال العباد الاختيارية وأفعال الشر، وهذا رأي لا يرتضيه أهل السنة.
(٣) قال ابن الحاجب في شرح الكافية: "ألا ترى أنه يجوز إذا رفعت أن يكون (خلقناه) خبراً فيفيد المعنى المقصود وصفة فيفيد غير المقصود، لأن التقدير معه: كل شيء مخلوق لنا يقدر، وهو معنى غير المعنى المقصود. فكان النصب أولى لما فيه من البيان للنصوصية على =

<<  <  ج: ص:  >  >>