للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنا ذو المروءةِ والوفاءِ إِذا ... جُوزِي أَسيرُ الوعدِ بالمَطْلِ

منّي استعار الحبُّ صبغتَه ... بالصَّبرِ، والكِتمانِ، والبذلِ

أهلُ الهوى، عرَفُوا مقاصدَه ... بَعدي، وما عرَفُوه من قبلي

أحلى شبابي، بعدَ بَيْنِهِمُ، ... شيبٌ يحُلًّ مَعاقِدَ الوصلِ

وظلِلت أبكي صحبتي لهمُ ... وعلى الشَّباب الزّائل الظِّلِّ

ورجَعْتُ أُخْلدِ بالعزاء إلى ... قلب، يرى نصحي سوى عذلي

لي أُسْوَة فيمن تقدَّمَني ... وجرى على المِنهاج والشَّكْلِ

قد مات مَنْ سُلِبَ الشَّبيبةَ، واس ... تَوْلى عليه تشتُّتُ الأهلِ

كان الشَّبابُ أخا مَوَدَّتِهم ... فأُصِبت بالأَخَوينِ بالثُّكْلِ

هذا البيت، تضمين أيضاً.

وأنشدني لنفسه أيضاً:

علامَ أُقالِسُ الأَيّامَ عَتْباً؟ ... وفيمَ أَلُوم دهري؟ لَيْتَ شعري

وقد كثُرت إِساءتُه، فمالي ... سبيلٌ أَنْ أطالبَهُ بعُذرِ

أُجِيلُ الفكرَ فيه، ولا أرى لي ... سِوى صبري عليه. وكيف صبري؟

يقدِّمُ مَنْ تقدُّمُه حرامٌ. ... على الإِطلاق لم يَغْلَطْ بُحرِّ

ويصدُقُ في مُعاندتي، كأنّي ... أخو ذَحْلٍ، يطالبُني بوِتْرِ

وأنشدني أيضاً لنفسه:

ألا يا حماماتٍ تَجاوَبْنَ بالضُّحَى، ... كشَفتُنَّ مكنوني، فأعلنتُ بالشَّكوى

إليكُنَّ عنّي، يا حماماتِ ضارجٍ ... عَداكُنَّ أَشجاني وما بي من البلوى

ترفَّقْنَ بي فيما بِكُنَّ من الهوى ... كما بي، لا وَجْدٌ كوَجْدِي بمن أهوى

تقضَّتْ ليالينا بِ لَيْتَ وعَلَّما ... وسوفَ، وما أَجْدَت عليَّ المُنَى جَدْوَى

فلا اليأسُ يُسلي لو تعهّدت سلوةً، ... ولا الصَّبرُ تُلْفَى دونَه الغايةُ القُصْوَى

وكان عند رباط قراجة ب واسط، يأوي إلى غرفة علي شاطىء دجلة، فجرت بينه وبين الصوفية منافرة، وخلى الغرفة. ثم أرادها، لإلفه بها، ولقربها من قلبه وحبه. فكتب إلي بأن آخذها له، وعاتبني في رقعته نظماً، فأجبته على وزن شعره بهذه الكلمة:

يا مُهدِياً، بكتابه وعتابه، ... كَلِماً شَفَتْ، وكُلومَ لَوْمٍ شَفَّتِ

حمَّلْتَني أثقالَ عِبْءٍ خِفْتُها ... لكن على قلبي، لِوُدِّك، خَفَّتِ

وأراك لا يُؤويك إلا غرفةٌ ... تشتاقُها، أَطْيِبْ بها من غرفةِ

وقَنِعتِ من طَيْف الخَيال بزورة ... ورَضِيتَ من برق الوِصال بخطفةِ

فاكفُفْ، كُفِيتَ الذَّمَّ، كفَّ مَلامتي ... فالعذرُ مُتَّضِحٌ إذا م كُفَّتِ

في غُرفةٍ، أنهارُها من تحتها ... تجري، ففُزْ منها، هُدِيتَ، بغَرْفَةِ

هيَ جنّةٌ ِلأُولي المكارم هُيِّئت ... وكما تراها بالمَكاره حُفَّتِ

لكن تُزَفّ إلى الكرام لحسنها ... وَلأَنْت أولى مَنْ إليه زُفَّتِ

بالَغْتَ في عتبي، فهل من أَوْبَة؟ ... وعدَلْتَ عن وُدّي، فهل من عطفةِ؟

أنا مَنْ صفت لصديقه نِيّاتُه ... فحكى الّذي أبدته عمّا أخْفَتِ

وعَفَت رُسومُ مطامعي إذْ عِفْتُها، ... فمطالبي عزَّت، ونفسي عَفَّتِ

فاقبَلْ مَعاذِيري، وعُدْ نحو الرِّضا ... والحمدِ، واشْفِ مَوَدَّةً قد أشْفَتِ

ولي إليه في المعنى، جواب قطعة مثلها:

يا حاكياً فضلَ الخَلِي ... لِ، وناشراً عِلمَ المُبَرِّدْ

وتجمّعتْ فيه الفضا ... ئلُ كلُّها، وبها تَفرَّدْ،

أهديتَ لي شعراً، هُدِي ... تُ بنجمه لمّا تَوَقَّدْ

نظم كدُّرِ الثَّغْر، أو ... زَرَدِ العِذار، أتى مُزَرَّدْ

يُنْبِي عن الوجد الشَّدِي ... دِ لَدَيْك والصَّبرَ المُشَرَّدْ

<<  <  ج: ص:  >  >>