للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذات روادِف عند القيا ... م تحسَبها أَنها مُقْعَدَه

وبدر، من الشَّعْر في غاسق ... يضاحك أَبيضهُ أَسودهْ

قيا ليَ من ذلك الزَّبْرِقا ... ن إِذا زَرْفَنَ الليلَ أَو جعَّدَهْ

محلّ خَيالٍ إِذا ما رأَيت أَمردَه، قلت: ما أَمردَهْ

به كل نَشوانةٍ لحظُها ... يطرق بين يَديْ عربَدَهْ

صوارمُ قاطعةٌ في الجفو ... ن فهي مُجرّدةٌ مُغمدَهْ

فها أَنا مَن في سبيل الغرا ... م أَورده الحبُّ ما أَوردَهْ

فهل لِدَمٍ فات من طالبٍ ... وهيهات أَعجز يومٌ غَدَهْ

وكيف يُجازى بقتل النفو ... س من لم يمدّ إِليها يَدَهْ

ومن ذلك في جارية حسناء اسمها ماريا تغني بالدف، خفيفة الروح في نهاية اللطف، ومن أصواتها التي تغايظ بها النصارى وتستميل بها قلوب المسلمين:

علِقتُ بحبلٍ من حبال مُحمَّدٍ ... أَمِنتُ به من طارق الحَدَثانِ

فقال فيها بعد البعد عنها:

أَلا يا غزال الثَّغرِ هل أَنت منشدي ... علقتُ بحبلٍ من حِبال مُحمّدِ

ويا هَلْ لِذاك اليوم في الدّهر ليلةٌ ... تعودُ ولو عادت عقيماً بلا غدِ

فأَلقاك فيها هادي الكأْس حادياً ... وحسبك من ساع بها ومُغَرِّدِ

أَلا حَبّذا عاري المحاسن عاطلٌ ... مُحَلّى بأَثواب الملاحة مرتدِ

إِذا ما الأَماني ماطلتني بوَعْدها ... ذكرتُ له وصلاً على غير موعدِ

وعهدي بماريّا سقى الله عهدها ... بما عندها من حاجة الهائِم الصَّدي

وفي ذلك الزُنّار تمثالُ فضّةٍ ... تُنَقِّطُ خدَّيْه العيونُ بعَسْجَدِ

وقد غلب المصباحُ فيه على الدُّجى ... سنا قميرٍ في جُنح ليلٍ مجعّدِ

وكنت إِذا عِفْتُ الزجاجةَ مَوْرداً ... سقتْني رُضاباً في إِناءٍ مورَّدِ

فيا ليَ من وجهٍ كقنديل هيكلٍ ... عليه من الصُّدغين مِحْرابُ مَسجِد

لقد أَسرتني حيث لا أَبتغي الفدا ... فقلْ في أَسيرٍ لا يُسَرّ بمفتدي

وقد قصد بقصائده، ووفد بفوائده، واسترفد بفرائده، ووصل إلى الموصل، لجتداء الجواد المفضل، منبع الجود، ومقصد الوفود، والبحر المورود، ومعدن الإفضال، وقبلة الإقبال، وكعبة الآمال، وكهف الملهوفين، وموئل المعتفين، وثمال المستضعفين، الذي لم يسمع له بقرن في القرون الماضية، ولم يسمح الزمان له بمثل في العصور الخالية، ذي الآلاء المتلألئة المتوالية، مستعبد الأحرار بإحسانه الغمر، ومطوق الأعناق أطواق البر، الجامع بين كسب الحمد والأجر، الصدر الكبير، الوزير جمال الدين أبي جعفر محمد بن علي بن أبي منصور، فنظم قصائد راغباً في جميل الجمال، وأم بها فناءه في جملة بني الآمال، ولم يزل يفد إليه ببضائعه، ويستفيد من صنائعه، ويستكثر من مدحه، ويستمطر مزن منحه، فتنجح مقاصده عنده بقصائده فيه. وقد أثبت منها ما عقدت عليه خنصر الاختيار، وثنيت إليه عنان الانتقاد، فذاك أجود ما سمعت من منظومه في الأفاضل، وأذعت من مكتومه في الفضائل. فمن جملته ما أنشدنيه الواعظ الرحبي في مدحته له، وذكر أنه أنشده بالموصل:

ليت القُلوب على نظام واحدِ ... لِيذوقَ حَرّ الوجد غيرُ الواجدِ

فإِلامَ يَهْوى القلْبُ غيرَ مُساعِفٍ ... بِهَوىً، ويَلْقى الصبُّ غيرَ مساعِدِ

نِمْتُمْ عن الشّكوى وأَرَّقني الجَوى ... يا بُعدَ غايةِ ساهرٍ من هاجدِ

أَضللتُ قلباً ظلّ يَنْشُد لُبّهُ ... مَنْ لي بِوجدان الفقيد الفاقدِ

ونهت مدامعي الوشاةُ فرابَهُم ... شاكٍ صبابَتَه بطرفٍ جامدِ

ولو أنهم سمعوا أَلِيَّةَ عَبرتي ... في الحبّ لاتَّهَمُوا يمين الشاهدِ

أَشكو إِليك فهل عليك غضاضة ... يا مُمْرِضي صَدّاً لو أنك عائدي

<<  <  ج: ص:  >  >>