للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهل لي على البُعْد من قُرْبَةٍ ... يُديل بها فَضْلُك الدائل

فإِنّ الغَمام بعيدُ المَنالِ ... وفي كلّ فَجٍّ له نائلُ

وأَنتَ الزَّمانُ وأَنتَ الأما ... نُ مِنْ كلّ ما يَفْرَقُ الذّاهِل

وأَنتَ الحُلِيُّ على المَكْرُمات ... فلا وُصِفَتْ أَنها عاطل

وله في مدح الملك الغازي نور الدين محمود بن زنكي، صاحب الشام سنة أربع وأربعين وخمسمائة، قصيدة استحسنتها في فنها، لسلاستها في نظمها ورويها ووزنها، فكأنها عروس أبرزت من كنها، أو ديمة وطفت من مزنها، أو روضة أنف في حسنها، وهي:

أَبْدى السُلُوَّ خديعة للاّئِمِ ... وَحَنا الضّلوعَ على فؤادٍ هائِمِ

ورأَى الرّقيبَ يَحُلُّ ترجمةَ الهوى ... فاستقبلَ الواشي بثغرٍ باسم

ومضى يُناضِل دونَه كتمانه ... ما الحبّ إِلاّ للمحب الكاتم

من فَضَّ خَتْمَ لسانِه عن سِرِّه ... ختمت أَناملَه ثنيّةُ نادِم

ومُهَفْهَفٍ لعِبَ الصِّبا بقَوامِه ... لَعِبَ النُّعامى بالقضيب الناعم

حَرَمَ الوِصالَ وأُرْهِفَتْ أَجفانُهُ ... فأَتاك ينظر صارماً مِنْ صارم

وَلَكَمْ جرى طرْفي يعاتِبُ طَرْفَه ... لو يسمعُ السّاجي حديث السّاجِم

إِني لأرْحَمُ ناظريْه من الضَّنا ... لو أَنّ مرحوماً يَرِقُّ لِراحم

للهِ موقفُنا وقد ضرَب الدُّجى ... سِتراً علينا من جُفون النائِم

وفمي يُقَبّلُ خاتِماً في كفه ... قُبَلاً تغالط عن فمٍ كالخاتم

كيف السّبيلُ إِلى مَراشِفِ ثَغْره ... عينُ الرّقيب قذاةُ عيْن الحائِم

نَلْحى الوُشاةَ وإِنّ بين جُفوننا ... لَمَدامعاً تَسْعى لها بنمائِم

يا أَيُّها المُغْرى بأَخبار الهوى ... لا تُخْدَعَنّ عنا لخبير العالم

إِسْأَل، فَدَيْتُك، بالصبابة لِمَّتي ... واسأَلْ بنُورِ الدين صَدْرَ الصارِم

ومُعَطّفاتٍ ترتمي بأَجنَّةٍ ... ومُثَقَّفاتٍ تهتدي بلَهاذِم

ومُسَوَّمات لست تدري في الوغى ... بقوائِم يُدْرِكْن أَم بقوادمِ

كلُّ ابن سابقةٍ إِذا ابتدر المَدى ... فلغير غُرَّتِه يمينُ اللاطم

يرمي بفارسه أَمامَ طريده ... حتى يُرى المهزومُ خَلْفَ الهازم

يُنْمى إِلى مَلِكٍ إِذا قُسِم النّدى ... والبأْسُ كان المُكتنى بالقاسم

مُتَسَرْبِلٌ بالحزم ساعةَ تَلْتقي ... حَلَقُ البِّطان على جواد الحازم

ما بَيْنَ مُنْقَطَع الرِّقاب وسيْفه ... إِلاّ اتصالُ يمينه بالقائِم

سامَ الشآم ويا لَها مِن صفقةٍ ... لولاه ما أَعْيَتْ على يد سائم

وَلَشَمَّرَتْ عنها الثّغور وأَصبحت ... فيها العواصم وهي غيرُ عواصم

تلك التي جَمَحَتْ على مَنْ راضها ... ودعوْتَ فانقادتْ بغير شكائم

وإِذا سعادتُك احتَبَتْ في دوْلةٍ ... قام الزّمان لها مَقام الخادم

يا ابن الملوك، وحسبُ أَنصار الهدى ... ما عندَ رأْيك من ظُبىً وعزائِم

قومٌ إِذا انتضت السيوفَ أَكفُّهم ... قلتَ الصواعقُ في مُتون غمائِم

من كل منصور البيان بعُجمةٍ ... وهل الأُسود الغُلْبُ غيرُ أعاجم

أَو مُفْصِحٍ يَقْري الصّوارم في الوَغى ... أَسخى هناك بنفسه من حاتِم

حصِّنْ بلادك هيْبةً لا رهبةً ... فالدِّرعُ من عُدَدِ الشجاع الحازم

وارْمِ الأَعادي بالعَوادي إِنها ... كَفلَتْ بفَلّ قديمهم والقادم

أَهلاً بما حملتْ إليك جيادُهم ... ما في ظهور الخيلِ غيرُ غنائِم

<<  <  ج: ص:  >  >>