هَبْني أُخلِّصُ جسمي من مُعَذِّبه ... فمن يخلّص قلبي من يَدَيْ نظري
فيا نسيم الخُزامى هُبَّ لي سَحَراً ... لعلَّ نَشْرك مَطْوِيٌّ على خَبَر
واحذر لسان دُموعي أَنْ تَنِمَّ به ... فإِنَّ سرّيَ من دمعي على خَطَر
وأنشدني له من أخرى:
لله نِسبة أَنفاسي إِلى حُرَقي ... إِذا النسيم إِلى رَيّا الحِمى انتسبا
أَهكذا لم يكن في الناس ذُو شجَنٍ ... إِلاّ صَبَا كلّما هبّت عليه صَبَا
أَحبابنا عاد عيدُ الهمّ بعدَكمُ ... تباعدتْ دارُكم في الحُبّ واقتربا
ما بالُ سَلْوةِ بالي لا تَسُرُّكُمُ ... حتى كأَنّ لكم في راحتي تعبا
ما خانكم جَلَدي إِلاّ وَفى لكمُ ... قلبٌ متى سُمْتُه ترك الغرام أَبى
ومن أخرى مجنسة سلسلة، مختلسة، وللعقول مفترسة:
أَما وكأْسٍ تَشِفُّ عن ثَغَرِ ... يَبْسِمُ عُجْباً بوَرْدَتَيْ خَفَرِ
يحميهما صارمٌ مضاربهُ ... مِنْ كَحَلٍ والفِرَنْدُ مِنْ حَوَرِ
لقد عصيتُ المَلام في رشإٍ ... مَلَّكَه القلبَ طاعةُ البصر
تُنافِسُ الخيزُرانَ قامَتُهُ ... ليناً ولوناً في اللّمس والنظر
دِقّةُ كَشْحٍ، وبَرْدُ مُرْتَشَفٍ ... فوا غرامي بالخَصْر والخَصَرِ
وذي سهام تُصْمي بغير يدٍ ... على قِسِيٍّ ترمي بلا وَتَرِ
وكيف تُخْطى القلوبَ مُرهَفةٌ ... تُراش بين القضاءِ والقَدَرِ
نوافذٌ تُنْهِر الفُتوقَ دماً ... ولا تَرى للجراح مِن أَثرِ
يا مُسْهِري واصِلاً ومُجْتَنِباً ... والصبُّ ما بين ليلتيْ سَهَر
إِذْ لا ترى العين فرقَ بينِهما ... إِلاّ بطُول السُّهادِ والقِصر
لا عَذَلٌ فيك بات لي سَمَراً ... يا حبَّذا العذْلُ فيك من سَمَر
ومن أخرى:
أَما لو كان لحظُك نصلَ غِمْدي ... لَبِتُّ وثأْرُ صَرْفِ الدهر عندي
ولو كان ابتسامُك حدَّ عزمي ... فللتُ نوائبَ الأَيّام وحدي
إِذاً لَلَقيتُ عادِيةَ اللّيالي ... على ثقةٍ وجُنْدُ هواك جُنْدي
ولكن أَنت والأَيّامُ جَيْشٌ ... على مُتخاذِل الأَنصار فَرْد
عَذيري مِنْ هوَى ونوَى رمى بي ... عِنادُهما على وَجْدٍ ووَخْدِ
وأَغْيَدَ بات مُتّشِحاً بثغرٍ ... على نَحْرٍ ومُبْتَسِماً بِعقْد
أَصُدُّ عَذولَه ويصُدُّ عني ... فما أَنفكُّ من غَمَراتِ صَدّ
وأَشكو ما لقيتُ إِلى سَقامٍ ... بِعَيْنيْه فلا يُعدي ويُعدي
متى أَرجو مُسالَمة اللّيالي ... وهذا مَوْقِفي من أَهل ودّي
ولو أَني أُلاقي ما أُلاقي ... بمَجْد الدين صُلْتُ بأَيِّ مَجْدِ
ووجدت في كتاب لمح الملح لأبي المعالي الكتبي هذه الأبيات منسوبة إلى القيسراني من قصيدة في التجنيس:
نافرته البيضاء في البيضاء ... وانفصال الشباب فصْلَ القضاءِ
حاكمَتْه إِلى مُعاتبِة الشَّيْب لِتَستمطرَ الحَيا بالحَياءِ
فاستهلّتْ لِبَيْنِها سحبُ عيْنيْهِ، ويومُ النَّوى من الأَنواءِ
يا شباباً لَبِسْتُه ضافيَ الظلُّ، وتبلى مَلابس الأَفياءِ
كان بَرْدُ الدُّجى نسيماً وتهويماً فأَذكته نفْحَةٌ من ذُكاءِ
ومنها في المدح:
مَنْ لهُ طاعةُ الصّوارِمِ في الحر ... ب ولَيُّ الأَعناقِ تحت اللّواءِ
مِنْ مَساعٍ إِذا استغاث به الآ ... مِلُ لَبّى نَداه قبل النِّداءِ
وكأَنَّ القَباء منكَ لما ضَمَّ مِنَ الطُّهْر مَسْجِدٌ بقُباءِ
وكنت أحب أن تحصل لي قصيدته البائية التي أوردت بيتيها في صدر ذكره إلى أن طالعت المذيل للسمعاني، عند ذكره للقيسراني، وفيه: أنشدني محمد بن نصر العكاوي بنواحي حلب لنفسه: