للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كثَّرَ حُسّاديَ حتى لقَدْ ... تنبّه الهاجد والغافل

وكاد يُعْطي في نَداه الصِّبا ... لو أَنّ شيْباً بالنّدى ناصل

القائدُ الخيلَ، مغافيرُها ... يزأَرُ فيها الأَسد الباسلُ

مُشَمِّرٌ للبأس عن ساقه ... والجيش في عِثْيره رافلُ

ماضٍ فما أَورد صادي القنا ... إِلاّ تروّى الأَسَلُ النّاهل

يناهز الأَعداء مَنْ عُرْفُهُ ... غازٍ بأَنفال العُلى قافِل

لم ينجُ مِنْ سطوته عاندٌ ... ولم يَخِبْ في ظِلِّه آمل

يُزْجي الندى حتّى إِذا ما اعتدى ... فالدَّمُ من سطوته هاطلُ

ما ساجَلَتْهُ المُزْن إِلاّ انثنى ... مُسْتحيِياً مِنْ طَلِّه، الوابلُ

لا يتناهى فَيْضُ معروفِه ... وأَيُّ بحرٍ ما لَهُ سحلُ

سَما به نابِهُ آبائِه ... حينَ أَسَفّ النسب الخامل

وامتاز بالعلم على أَهله ... وهل يساوي العالمَ الجاهل

يا مُحْييَ العدل ويا مُسْرِف البذل فأَنت الجائر العادل

يا أَنصتَ الناسِ إِلى حكمةٍ ... يقبلها مَنْ سَمْعُه قابِل

عَلا بك الفضلُ ذرى هِمَّةٍ ... عن غُرَّة الشِّعْرى لها كاهل

لولا سنا فضلك يَجْلو الدُّجى ... ما عُرِف المفضولُ والفاضل

ولم يغامر جودَك المعتفي ... ولم يجانب مجدَك العادل

فمن يكن خَصَّ بمعروفه ... فأَنت مَنْ إِحسانُه شاملُ

بوركتَ من غيثٍ إذا ما همى ... روَّض منه الأَمَلُ الماحِل

إِنْ هزَّك العزمُ فيا طالما ... أُرهِف منك الصارمُ القاصِل

سيفٌ متى أَمّ نفوس العِدى ... صمَّم، والنّصر بها كافل

فكنتَ كالشّمس سمَتْ إِذ سَمتْ ... ونورُها في أُفقها ماثل

وَأَيْنَ يَنْأَى من قلوب الورى ... مَن حُبّه في كلِّها نازل

فابْقَ حَياً يُنْبِت رَوْضَ المنى ... وأَيْن مِنْ أَفعالك القائل

ودُمْ فما دُمْتَ منارَ الهُدى ... فللمعالي سَنَنٌ سابل

وأنشدني له بعض أصدقائي من فقهاء الشام، بيتين ألطف من نسيم الصبا، وأطرف من نعيم الصبا، في وصف مغن، وشادن شاد أغن، وهما:

والله لو أَنصف الفتيان أَنفسَهم ... أَعطَوْك ما ادّخروا منها وما صانوا

ما أَنت حين تُغنّي في مجالسهم ... إِلاّ نسيمُ الصَّبا والقومُ أَغصانُ

ما أحسن تشبيهه الشادي بالنسيم للطافته، ورقة أنفاسه، وتقتير ألحاظه، وتكسير ألفاظه، وسلاسة خلقه، ورشاقة خلقه، والسامعين بالأغصان التي يرنحها النسيم لتمايلهم وتساكرهم، واهتزازهم لشدوه، وتطربهم لغنائه.

وله في غانية رومية نصرانية:

كم بالكنائِس مِنْ مُبَتَّلَةٍ ... مثل المَهاةِ يَزينُها الخَفَرُ

مِنْ كلِّ ساجدةٍ لصورتها ... لو أَنصفت سجدتْ لها الصُوَر

قدّيسَةٌ في حبل عاتقها ... طولٌ، وفي زُنّارها قِصَر

غَرَسَ الحياءُ بصحن وَجْنَتِها ... وَرْداً سقى أَغصانه النَّظرُ

وتكلّمت عنها الجُفون فلوْ ... حاورتَها لأَجابك الحَوَر

وحَكَتْ مدارِعُها غدائرَها ... فأَراك ضعفيْ ليلةٍ قمرُ

وأنشدني له الواعظ الرحبي من قصيدة:

في طاعة الحب ما أَنفقتُ من عُمري ... وفي سبيل الهوي ما شابَ من شَعَري

طال الوُقوف على ضَحْضاحِ نائلكم ... وغُلَّة الصّدر بين الوِرد والصَّدرِ

كم قد أَماتَ الهوى شوقي وأَنشره ... عن يأْس منتظِرٍ أضو وعد منتظَر

بمُهْجتي وبصَحْبي كلُّ آنسةٍ ... تبيت نافرةً منّي ومِنْ نَفَري

أَما ترى سُنَّةَ الأَقمار مُشْرقةً ... في لِمَّتي، فبياض الليل للقمر

<<  <  ج: ص:  >  >>