للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شكا فؤاديَ مِنْ عِبْءِ الهوى تعباً ... كما شكا خصْرُه من رِدْفِه تَعبا

يَهُزُّ أَعْطافَه دَلُّ الصِّبا فترى ... غُصْناً من البان يثنيه النسيمُ صَبا

يا مُطْلِعَ البدر فوقَ الغُصْن معتدلاً ... يلوح ما بَيْنَ شُرْبوشٍ وطَوْقِ قَبا

إِعْدِل فإِن رُسومَ الجَوْر قد دَرَسَتْ ... مُذْ صار فينا مَكينُ الدّين مُحْتَسِبا

ثم سمع فتيان أنني أثبت شعره، وأجريت في الفضلاء ذكره، فقصدني بقصيدته وحضر عندي لزفاف خريدته، وسألني إثباتها في ديوان الفضل وجريدته، فحليته بفريدته. وذلك مما أنشدني لنفسه يمدحني به:

نَعَشْتَ قوماً وكانوا قبْلُ قد دَثَروا ... لولا عُلاك، فطاب الوِرْدُ والصَّدَرُ

أَحْيَيْتَ شعرهُمُ من بعد مِيتَته ... قِدْماً، وقد شعروا قِدْماً وما شَعُروا

أٌقسمتُ ما رَوْضةٌ مُخضرَّةٌ أُنُفٌ ... بانَتْ تَسُحّ على أَقطارها القُطُر

ذُبابُها هَزِجٌ، نُوّارُها أَرِجٌ ... نباتُها بَهِجٌ مُسْتَحْسَنٌ عَطِر

كأَنَّ فاراتِ مِسْكٍ وَسْطها فُرِيَتْ ... فَنَشْرُها بأَماني النفسِ مُنْتَشِر

شَقّ النسيم على رِفْقٍ شقائقها ... فضُرِّجَتْ بدمٍ لكنه هَدَرُ

قَثْب الزَّبَرْجَد منها حُمّلتْ صَدَفَ الياقوت، فيها فتيتُ المِسْك لادُرَر

أَحداق نَرْجِسها ترنو فأَدمُعُها ... فيها تَرَقْرَقُ أَحياناً وتَنْحَدِر

وللأَقاصي ثُغورُ الغِيد باسمة ... سيكت بإٍسْحَلَةٍ أَنيابُها الأُشُرُ

تُريكَ حُسنَ سَماءٍ وهي مُصْحِيةٌ ... والأَنْجُم الزُّهر فيها ذلك الزَهَرُ

تبدو بها طُرَرٌ من تحتها غُرَرٌ ... يا حَبَّذا طُرَرُ الأَزْهارِ والغُرَرُ

يوماً بأَحسنَ مِنْ خَطّ العماد إِذا ... أَقلامُه نُشِرَتْ عن حِبْرِها الحِبَرُ

ولا العُقودُ بأَجيادِ العَقائل كالدُّمى فَمُنْتَظِمٌ منها ومنتثِر

على ترائب كافورٍ تُزَيِّنُها ... حِقاق عاج عليها عاجَتِ الفِكَر

تلك اللآلي تَروقُ النّاظرين فما ... يَسُومها سأَماً مِن حسنِها النظر

يوماً بأَحسنَ من نظم العِماد ولا ... من نثره، فبه ذا العصرُ يفتخر

أَضحت صِعاب المعالي عنده ذُلُلاً ... تحوي دقائقَها من لفظه الدُّرَرُ

كأَنما لفظُه السِّحر الحَلال أَو الماء الزُّلال النَّقاخُ الطيِّب الخَصِر

شِيبَتْ به قَهْوَةٌ حمراءُ صافيةٌ ... عُصارُها غَبَرَتْ من دونه العُصُر

ولا السحائب بالأَنداء صائبةً ... فَجَوْدُها غَدِق الشُؤْبُوبِ مُنْهَمِر

حتى إِذا انقشعت من بعد ما هَمَعَتْ ... أَثْنى عليها نباتُ الأَرض والشَّجَر

يوماً بأَغْزَر من كَفِّ العماد ندىً ... فكلُّ أَنْملةٍ من كَفِّه نَهَر

فلِلغمائم تقطيبٌ إِذا انْبَجَست ... وبِشْرُه دونه عند النَّدى القمر

ما ابن العميد ولا عبد الحميد ولا الصابي بأَحسَن ذِكْراً منه إِنْ ذُكِروا

ولو يناظره في الفقه أَسعدُ لم ... يَسْعَد، وأَحْصَره عن نُطْقِه الحَصَر

هذا ومَحْتِده ما إِن يساجِلْه ... خَلْقٌ إِذا الصِّيدُ في نادي العلى افتخروا

أَصِخْ محمَّدُ إِني جشدُّ معتذِرٍ ... إِنّ المقصِّر فيما قال يعتذر

يا ابن الكِرام الأُلى سارتْ مكارمُهم ... حتى تعجَّبَ منها البَدْوُ والحَضَر

راووق حِلْمِك فيها أَنت تسمعه ... يُبدي الجميلَ وفيه العيب يستتر

وأنشدني لنفسه في غلام شواء:

أَنا في الهوى لحمٌ على وَضَمٍ لِما ... عايَنْتُ من بَرْحٍ ومن بُرَحاءِ

بِمُشَمِّرٍ عن مِعْصَمَيْه مُزَنَّرٍ ... يهتَزُّ بَيْنَ التِّيه والخُيَلاء

<<  <  ج: ص:  >  >>