للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سضحاب النَّدِّ مُنتشِرُ الضبابِ ... وبنت الكأْس راقصةُ الحَبابِ

وعينُ الدّهرِ قد رَقَدتْ فأَيقظ ... سروراً طرفُه بالهمّ كاب

ولا تستصْرِخَنَّ سِوى الحُمَيّا ... إِذا باداك دهرُك بالحِراب

إِذا مُزِجتْ يطير لها شَرارٌ ... يَفُلّ شَبا الهموم عن الضِّراب

ولا تقلِ المشيب يعوق عنها ... فقد ضمِنَتْ لنا رَدّ الشباب

ولا تبغ الفِرار إِلى لئيمٍ ... تُلاطفه فيخشُن في الجواب

فلي هِممٌ، إشذا سطتِ الليالي، مجاثمها على هام السحاب

هي الدنيا تَسُرُّ إِذا أَرادت ... وتَحْزُن مَنْ تريد ولا تُحابي

إِذا انتبهتْ حوادثها لشخصٍ ... فليس يُنيمها سَمَرُ العِتاب

فإِن زادت فأَوْسِعْها فُؤاداً ... قويّ الجأْش مُنْفَسِح الرِّحاب

متى كَمُلَتْ رياض الفضل خِصْباً ... فأَرضُ الحظّ مُجْدِبة الجَناب

تُضيءُ المُشْكلاتُ بفضلِ قَوْلي ... ويرتاع المُلاسِن في خطابي

وإِن طال المُفاخِرُ بالمَعالي ... وحاولني تقاصر عن هِضابي

وأَعْجَبُ كيف تخفيني اللّيالي ... ووجه الشمس يَخْفى في شِهابي

وُجوهُ مَناقبي حَسُنَتْ ولكن ... بِذَيْل الحظّ قد طاب انتقابي

ثياب العِرض إِن دَنِسَتْ لِقَوْمٍ ... فكن ما عشت مُبْيَضَّ الثياب

وأَسلمني الزّمانُ إِلى أُناسٍ ... إِذا عُدُّوا فليسوا من صِحابي

رَقُوا ظُلماً وأَنفسُهم ترامت ... بهم طبعاً إِلى تحت التراب

عليهم للكلاب مزيدُ فضلٍ ... وليس لهم مُحافظةُ الكلاب

لهم دون الرغيف سِهامُ لؤمٍ ... تَصُدُّ القاصدين عن الطِّلاب

وكتب لي من نظمه بخطه، قال:

وقلت في بعض الأغراض التي اقتضت ذلك، وكان سببه أنني أنشدت لبعض الأًدقاء شعراً لمهيار، فتبرم منه لضيق صدره بسبب من الأسباب، فمازحته ببعض هذه الأبيات كأنها على لسانه:

لقد سمح الدّهرُ بالمُقْتَرحْ ... وكان السكوتُ تمامَ الفرَحْ

وما زال إِنشادُك الشعر لي ... يَمُرُّ بسمعيَ حتى انقرَحْ

ونغَصتَ عَيْشي بترداده ... وأَفسدتَ من حالتي ما صلضح

فلا خير في نظم هذا القريض ... ولا في تغزُّله والمِدَحْ

لحا الله قلباً يحبّ المِلاح ... ولثْمَ الأَقاحي ورَشْف القَدَحْ

ويهتَزُّ عند اهتزاز الغصون ... ويعجبه ظَبْيُ سِرْبٍ سَرَحْ

وتُطربه رَوْضةُ العارِضيْن ... وما في شمائِلها من مُلَحْ

لئِن سَرَّكُمْ حُسنُ وَجْهِ الحبيب ... فما ذاك عنديَ إِلاّ تَرَح

وللهِ دَرُّ عجوزٍ تروق ... لطرفِ الحكيمِ إِذا ما لَمحْ

ويُعْجِبُه صِبْغُ حِنّائِها ... وما بين أَسنانها من قَلَح

لها رَحِمٌ مثلُ حبل العِقال ... إِذا ما دنوت إِليه رَشَح

وإِن حَرَّكتْه ذُكور الرّجال ... تخيَّلْت ذاك كنيفاً فُتِح

فهذي مقالة هذا الحكيم ... ولا خَيْرَ فيمن إِلها جَنَح

فَدَعْ قوله واختصر صورةً ... كأَنّ الجمال لها قد شرح

إِذا ما استدارتْ نطاق الخصور ... وماستْ قُدودٌ بزَهْوِ المِدَحْ

فكم من غريقٍ بماء الجفون ... وكم من زِنادِ فؤادٍ قَدَح

أَدِرْها وروِّ بها حائِماً ... ودارِكْ بقيَّةَ عُمْرٍ نَزَح

ولا تَجعلِ المزج إِلاّ الرُّضاب ... وواصل غَبوقك بالمُصْطَبَح

أَطِعْ في حبيبك غِشّ الهوى ... وعاصِ العذول إِذا ما نصح

ولُذْ بضلالك قبل الهدى ... وبادِرْ ظلامك قبل الوَضَح

وَدَعْ عنك وَضْعَ شِباك المُحال ... ونَصْب الفخخ وعَدَّ السُّبَحْ

<<  <  ج: ص:  >  >>