للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فنهضتَ فيها قائِماً ... بسِدادها والغيرُ قاعد

فَصَحَتْ وصحّ زمانها ... من ذا يُغشّ وأَنت ناقد

وملأْتَ أَسماع الرُّوا ... ة من الفوائد والفرائد

وحفِظت عَقد مودّتي ... فنشرت أَلوية المحامد

سرقت عزيمتُك الرُّقا ... دَ فبتّ مهجور المَراقد

غار الزمان فسلَّهُ ... سيفاً لأَهل الشرّ حاصد

وقلت في سنة ستين وخمسمائة وكتبتها إلى بعض الأصدقاء:

نواحي الأَرض ضاحكةُ الرُّبوعِ ... وعينُ المُزنِ هاطلة الدموعِ

ووجه الأَرض بسّام المُحَيّا ... وشادي الدَّوْح ممنوعُ الهجوع

وأَغصانٌ كأَنّ بها انتشاءً ... تصابت وهي شائبة الفروع

لقد طالت ليالي الهمّ فائْذَنْ ... عَصيُّ الهجرِ ذو وصلٍ مُطيع

ولا يسقيكها إِلاّ غزالٌ ... عَصيُّ الهجرِ ذو وصلٍ مُطيع

عُقاراً لو سطت في يوم حربٍ ... لأَوْدت بالخُبَعْثِنَة الشجيع

ولو مرّتْ على حلم ابن قيسٍ ... لأَضحى وهو كالطفل الرضيع

وقلت بسبب صديق:

إذا غرت خيولُ الهجر يوماً ... عليكَ، فكنْ لها ثَبْتَ الجَنانِ

وإِن خان الصديق فلا عجيبٌ ... أَليس الأَصدقاء بني الزّمان

وقلت لما كنت بحلب بعد وفاة الملك السعيد رضي الله عنه، وقد توالت الفتن، وحرجت الصدور، متشوقاً إلى دمشق ومتذكراً لها:

عروسُ الكأْس يجلوها نديمي ... علينا في ثيابٍ من نعيم

أَدِرْها واحْيِ أَباحاً تراها ... رَميماً بين أَجداث الهموم

وداوِ بها جِراحات الليالي ... فلستَ على التّداوي بالمَلوم

ولا تكسِر حُمَيّاها بمَزْجٍ ... فتضعُفَ عن مُقاومة الغريم

وأَعجَبُ كيف تبرُز وهي شمسٌ ... مكلَّلةَ الجوانب بالنّجوم

إِذا طافت همومُك حولَ كأْسٍ ... ترامتْ نحوها شُهْبُ الرُّجوم

وقد زَفّ الربيع إِليك رَوْضاً ... قشيبَ الزَّهْر مُعْتَلَّ النسيم

فَحُثَّ اليَعْمَلات إِلى دمشقٍ ... سقاها اللهُ هَطّال الغيوم

فيا لله درُّكِ من ديارٍ ... تَراضَعنا بها حَلَب الكروم

فما رقأَتْ دموعي حين غابت ... جواسقُها ولا اندملت كُلومي

إِذا ما طُفت حول دروب مقرى ... فعرِّج بي إِلى دَيْر الحكيم

وبادرْ نحو رَبْوتِها ففيها ... إِذا واجهتها بُرْءُ السقيم

وحيِّ النّيْرَبين فكم مضى لي ... على الشرفَيْن من شجنٍ قديم

إِذا الخُطباء في الأَغصان قامت ... تهُزُّ النائمين عن النعيم

إِذا كأْس الصَّبا دارت سُحَيْراً ... تحُلُّ معاقد الدُرّ النظيم

لقد أَهدت لها الخضراء بُرْداً ... بديع النَّسج مختلف الرُّقوم

وفي تلِّ الثعالب راح عنها ... ففيها منشإي وبها تميمي

لقد حلّت جِنانُ الخُلد فيها ... وفي حلبٍ هَوْت نارُ الجحيم

إِذا عُرضت عليك رأَيت فيها ... عِراصَ الخير دائرةَ الرُّسوم

مُناخُ للأَراذل منذ كانت ... محرَّمَةٌ على الحرّ الكريم

أَقمتُ بها فلم يظفر طِلابي ... بذي أَدبٍ ولا خِلٍّ حميم

وأَرذلُ من ترى فيها وأَخزى ... ذوو الأَقداء والحسب الصميم

تُرى يحنو الزمان عليَّ يوماً ... فأَشكو ما لقِيت إِلى رحيم

لعلّ الله أَن يُدني زماناً ... تَهُبّ لنا به ريحُ القُدوم

وأبناء الزمان كما تراهم ... أَفاعٍ دأْبُها نَفْثُ السّمومِ

فلا يحنو القويُّ على ضعيفٍ ... ولا يصل المَخوف إِلى رَؤوم

<<  <  ج: ص:  >  >>