عفَّتْ عوافيك آثارَ الهموم فما ... أَبقت لها في فيافي فكرةٍ أَربا
وردَّ دونك، نورَ الدين، قاصرةً ... أَيدي المُلِمِّ أَيادٍ تُخْجِل السُّحُبا
يا رحمةً عمَت الإِسلام قاطبةً ... ونعمةً خصّتِ الأَهلين والقُربا
حاشا جمالك أَن يكساه طيفُ ضنىً ... وثوب عزِّك أَن تُنضاه مُسْتَلَبا
ولا عَرَتْك من الآلامِ حادثةٌ ... تَضْحي لها عن عيون الناس مُحْتَجِبا
ومنها:
وعش مُنيلَ ذوي ودٍّ، مُبيدَ عدىً ... ما شئت، مَرْجُوَ آلاءٍ، مَخُوف شَبا
إِن أَمَّ سعدَك طرفُ الحادثات كبا ... أَوْ رام مجدَك نابُ النائبات نبا
وأنشدني له من قصيدة في نور الدين محمود بن زنكي رحمه الله وكان قد أهدى له مصحفاً بخطه:
يا جُنَّةً إِن رماني سهمُ حادثةٍ ... وجَنَّةً ليَ إِن خُوِّفتُ بالنارِ
وفي القناعة لي عِزٌّ أَصولُ به ... لكنّ عائلتي يهوَوْن إيساري
إِذا ذكرتُ لهم فضل القناعة لم ... يسمَعْن وعظي ولم يقبلْن أَعذاري
وليس لي شافع أَرجو النجاة به ... سوى كتاب عظيمِ المُلك جبّار
لو أَن حظّي كخطّي كنت أَكسِب من ... دون الورى كلَّ يومٍ أَلف دينار
فليت حظّي كخطّي في ملاحته ... وليت رزقي كآدابي وأَشعاري
زيادةُ الحِذْق نقصُ الرزق فارْضَ بما ... تُؤْتى ولا تتكفّر فِعْلَ كفار
وقد طوى الله سرّ الغيب مقتدِراً ... عنا لنيفذ فينا حُكمه الجاري
يقوى رجائي وفرطُ اليأْس يَضعِفُه ... فتنقضي مُدَّتي في غير إِيثاري
ذقتُ النعيم وذُقت البؤس في زمني ... فما وفى ليَ إِحلائي بإِمراري
واحَسْرتا لتقضّي العمر في لعبٍ ... أَقضي ولم أَقضِ أَغراضي وأَوطاري
عسى إِلهي، إِذا ما مِتُّ، يغفر لي ... فإِنه خير مَنّانٍ وغفّار
وأنشدني له في المؤيد ابن العميد بدمشق من قصيدة:
وله من ضوامر الصُّمِّ رُقشٌ ... جارياتٌ بوعده والوعيدِ
فإِذا نمنم الكتابة في الطِّرْ ... س أَرانا وشياً كوشي البرود
وإِذا أَنشأَ الكلام ووشّا ... هـ شأى فيه فنَّ عبدِ الحميد
وأَبو الفضل ابن العميد مُقِرٌّ ... ذو اعترافٍ بالفضل لابنِ العميد
وله في القريض غُرُّ مَعانٍ ... حار فيها الوليد وابنُ الوليد
وأَيادٍ من الصنائع بيضٌ ... تَسترقُّ الأَحرار رِقّ العبيدِ
عرَف العارفون فضلك بالعلم وقال الجُهّال بالتقليد
وأنشدني له من قصيدة في مدح القاضي كمال الدين ابن الشهرزوري:
بكُتْبك تَنْفَلُّ الكتائب نُكَّصاً ... مُنَكَّسةً راياتُها لا تُعَقِّبُ
إِذا تُليت خال العدوُّ كلامها ... كِلاماً، وما عنها فؤادٌ مُحَجَّبُ
وأَقلامُك اللاتي بها تَصْدَع القنا ... وتقضي على حدِّ السيوف وتقضِب
إِذا ما علت فوق الطُّروس حِسبتها ... خطيباً على أَعلى المنابر يخطب
بأَسودِها تبيذُّ كلُّ مُلِمَّةٍ ... وتخضرُّ منها الأَرض، والعامُ أَشهب
وما طاب في الأَرض العريضة نفحةٌ ... لِعِرْض امرئٍ إِلاّ ونَشْرُكَ أَطيب
وأنشدني له من قصيدة في كمال الدين ابن الشهرزوري:
أَصلى فؤادَك ذكرُه أَهلَ الغضا ... لمّا استقلَّتْ عيسُهم جَمْرَ الغضا
وحدا بركبهمُ شُروقاً سائقٌ ... عَجِلٌ، إِذا وَنَتِ الركائبُ حَرّضا
وظللتَ تَتْبَعُهم وقلبك خافقٌ ... كالبرق في جُنح الدُّجَنَّةِ أَوْمضا
ودموع عينك قد مَرَتْها زَفْرةٌ ... مُذْ خَيَّمَتْ رَحَلَ السّرورُ وَقُوِّضا
وبأَيْمُن الأَظعان في اَحْداجهم ... نَجْلاءُ يَشْهَر لحظُها سيفَ القضا