للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وروّيتَ بيضَ الهندِ من مُهَجاتهم ... فهنّ قَوانٍ من دمائِهمُ حُمْرُ

وهذه أيضاً في الغاية القُصوى والدّرجة العلي.

بقيّة من نجّاه من سجنِك الفِدا ... وأعتقه من سيف والدِك الأسرُ

تركت بأطراف اللُّقانِ جسومَهم ... تذُمّ من الأرماح ما يحمَدُ النّسرُ

ما أحسن ذكرَ الذمّ والحمد في هذا البيت!

وما عُدت مُذ عامين ثانٍ وأولٍ ... وما عاد عنهم من مَهابتك الذُعرُ

فإنْ غرَبَ النّجمُ الذي انقرضوا به ... فقد كشف الظّلماءَ من نجمه بدرُ

كان والد ممدوحه يلقّب بالنّجم. وقد سلك هذا الطريق قبلَه من قال:

فإن يكُ سيّارُ بنُ مُكرمٍ انقضى ... فإنّك ماءُ الوردِ إنْ ذهبَ الوردُ

رضعتم لُبان العزِّ يا آل أرْتَقٍ ... فلا دَرَّ إلا حيثُ كنتم لها دَرُّ

عُلىً شاد منها ما بنته جدودُكم ... قِراعُكُم من دونها الخيلُ والكرُّ

سحائبُ جذْبٍ لا يغبُّ لها حياً ... مُحاربُ حربٍ من جواشنها الصبرُ

قوله: من جواشها الصبر، يكاد يُذهب الألباب، ويعيد سماعه الى الشيخ الفاني عهدَ الشّباب!

مضوا لم يَضِفْ خبْلُ الغرامِ نفوسَهم ... ولم يخترقْ أخْراتَ أسماعِهم هُجْرُ

أي: لم يصر لهم ضيفاً.

ولم يذخَروا غير الصّوارم والثّنا ... كذا وأبي العلياء فليكنِ الذُخرُ

فإن يذهبوا مثلَ الغمائم مُثْنياً ... عليها بما أهدت له البدوُ والحضرُ

فقد لمّ أشتاتَ المكارمِ بعدَهم ... أغرُّ كريمُ الأصلِ فتكتُه بِكرُ

جوادٌ يخافُ المالُ سَورةَ جُودِه ... إذا رنّحته الأريحيّةُ لا الخمرُ

تملّكتَ يا قطبَ الملوكِ محامدي ... ورِقّي ولولا الطّوْلُ لم يُملَكِ الحُرُّ

وهبتَ العلى والمجدَ فيما وهبتَه ... فما العسجد القاني وما النّشَبُ الدّثرُ

هذه مدائح، لم تدرك شأوَها القرائح.

عطاءٌ لو انّ القَطرَ كاثرَ بعضَه ... لأصبح قُلاً عندَ أيسرِه القطْرُ

تعذّرَ إلا حين عُذْتُ بك الغنى ... وأقصر إلا عندَ مدحي لك الشّعرُ

أبى قدرُه أن يسترِقّ قِيادَهُ ... ويملكَهُ إلا مليكٌ له قدرُ

وقد زارَ منه البدرَ بدرٌ محجّبٌ ... وجاورَ منه البحرَ حين طما بحرُ

مديحٌ هو السّحرُ الذي فُتقَتْ به ... عقولُ الورى من قبلُ أو دونَه السِّحرُ

لقد أصاب شاكلة الصّدق، ونطق بالحقّ.

وإني لأرجو أن يفخمَ أمره ... من النّاس من أمسى له النّهيُ والأمرُ

فما لفقير ذيدَ عن نيله غنىً ... ولا لكَسيرٍ حاد عن ظلّه جبْرُ

وقال يمدحه، ويصف بعض حروبه؛ وعرض فيه بما جرى لجدّه أرْتَق مع مسلم بن قريش وقومه بني بَدران، وأنشده بمَيّافارقين من رجب سنة سبع وعشرين وخمس مئة:

سلْ بالكثيبِ سوانحَ الغِزلانِ ... أهي الموائسُ أم غصونُ البانِ

واحفَظْ من الألحاظِ لُبَّك إنّها ... شغلُ الخَليِّ ولوعةُ اللهفانِ

تلك السيوفُ البيضُ تُسْمى أعيناً ... للبيض والأجفان كالأجفانِ

لقد وفّى التّشبيه حقّه لفظاً ومعنى.

منْ جازئات ظِباءِ وجْرَةَ من لها ... فتكاتُ ليثِ الغابِ من خَفّانِ

سعديّةٌ لولا هواها لم يشُقْ ... قلبي برامةَ منبِتُ السّعدانِ

يدنو المزارُ ودون حُمرِ قِبابِها ... لحظُ الرّقيبِ وهبّةُ الغَيْرانِ

ما للأقاربِ من ذويك تباعدوا ... حنقاً كأنهمُ ذوو شنآن

عُربٌ أضاعوا فيك ذِمّةَ جارِهم ... والعُرْبُ تحفظُ ذمّةَ الجيران

هذا من أحسن ما وقع للشّعراء في ردّ الأعجاز على الصّدور.

فُنفِيتُ من عدنانَ إن جازيتُهم ... إلا بخُزْرِ أسنّةِ المُرّان

<<  <  ج: ص:  >  >>