للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

متقدماً لجِباً يحلّقُ فوقَه ... مستبشراً لجِبٌ من العِقبان

خُذْ بالشهامة لا الكرامة أهلَها ... تردَعْ عِداك بها عن العُدوانِ

فالحزمُ أن تضَعَ العقابَ إذا فشا ... سرُّ المظالمِ موضعَ الغُفرانِ

فاق الشعراء في إيراد هذا المعنى في هذا المعرِض، مع أنّه سبق إليه الأستاذ الشّهيد مؤيّد الدّين أبو إسماعيل رحمه الله حيث يقول:

وما الجهلُ في كلّ الأمور مذمَّمٌ ... وما الحلمُ في كلّ المواطنِ محبوبُ

مع أنّه سبق إليه المتنبي:

ووضعُ النّدى في موضع السيف بالعُلى ... مُضرٌّ كوضع السيف في موضع النّدى

وهو أيضاً أخذه من قول القائل:

وبعضُ الحلمِ عندَ الجه ... لِ للذّلّةِ إذعانُ

وفي الشرّ نجاةٌ حي ... نَ لا يُنجيك إحسانُ

من سؤدَدِ الرّجلِ الكريمِ وفضلِه ... ما يستمرّ عليه من نقصانِ

يعني: من نقصان حالٍ ومال، وهي من فِقَر الحِكم.

لا يوكِسُ السيفَ الصّقيلَ غِرارُه ... شعْثُ القِراب إذا مضى الحدّان

هذا مأخوذ من قول إمامنا الشافعيّ المطّلبيّ، رضي الله عنه:

وما ضرّ نصلَ السيف إخلاقُ غِمدِه ... إذا كان عضْباً حيثُ أنفذتَهُ برى

ما أجهلَ المتوعّدي ومُهنّدي ... والنّهدَ من صحبي ومن أخداني

بين الهِجانِ وبين فتكي عزمةٌ ... تُدني الى نادي أغرَّ هِجانِ

الهِجان: جمع هجين، ولد الأمَة. والهِجان: الكريم.

حيثُ النّدى عذبُ الموارد رائقٌ ... للوارد المتهافتِ الظمآنِ

والحُجْبُ تُرفَعُ عن أسرّة ماجدٍ ... كالنّصْلِ لم يكهَمْ له غَرْبانِ

عن غُرّةِ التّاج الذي تعنو له ... غُرُّ الأماجدِ من ذوي التّيجانِ

عن خيرِ من يردي به متمطّرٌ ... في يوم مكرُمةٍ ويومِ طِعانِ

ملك متى هبطَتْ عروقُ أرومةٍ ... بمُمَلّكٍ بسقَتْ به العِرقانِ

عافت قِرى الكومِ الأواركِ نفسُه ... وقَرى الضّيوفَ خزائنَ العِقيان

وتحرّقت أسيافُهُ إذ فارقت ... أغمادَهنّ مفارِقَ الأقرانِ

وتشكّتِ الأرماحُ إذ غشيَ الوغى ... مما يدقّقهنّ في الأبدانِ

كم موقفٍ لك لو أراد توقّفاً ... فيه الرّدى زلّتْ به القدَمانِ

هذه اللّمعة الغرّاء، التي دونَها الجوزاء، لو كشفت وجهَها في أفق السماء، كسف منه القمران، واستنار به الثّقَلان.

طأطأتَ فيه الكفرَ بعدَ بُذوخِه ... ورفعتَ فيه دعائمَ الإيمانِ

ولو رام شاعر توقفاً في هذا الموقف، زلّت به القدمان.

جمعَتْ عليك به الفِرِنْجُ جموعَها ... وتفرّقتْ لمّا التقى الجَمعان

ظنّوك ما لاقَوْا فأبطل ظنّهمْ ... طعنٌ أحقّ مظنّةَ السِّرحانِ

بذوابلٍ أبدت أسنتُهُنّ ما ... أخفت قلوبُهمُ من الأضغانِ

كأنّه فارس الميدان، ومبارز الشُجعان.

ومُدَرّبينَ على القتال كأنّما ... شربوهُ وِلداناً مع الألبانِ

من كلِّ مشبوحِ الذّراع يهُزّهُ ... قرْعُ العوالي هِزّةَ النّشوانِ

نظروا الى البيضِ الخِفاف كأنّها ... بأكفّكم مشبوبةُ النّيرانِ

والخيلُ قد عادت وِراداً شُهبُها ... مما لبِسنَ من النّجيعِ القاني

يسبَحْن طوراً في الدِّماء وتارةً ... يركُضْنَ فوق جماجمِ الشّجعانِ

هذه الأبيات كأنّها بيوت للكواكب. المعاني في كلّ بيتِ نظم، بيتُ نجم، وفي ضمن كل عبارة إشارة لطيفة، وتحت كلّ كلمة فِقرة شريفة، أو درّة يتيمة، ما لها قيمة، أو كأنّها خزائن دفائن الضّمائر، وسفائن زواخر السّرائر.

في مأزقٍ ضنْكِ المجال كأنّه ... مغْنى المبخَّلِ أو فؤادُ العاني

هذا المعنى مغْنى الحسنات، وقلب معاني الأبيات.

ستر السّماءَ عجاجُه فسماؤه ... نقْعٌ وأنجمُهُ من الخُرصان

<<  <  ج: ص:  >  >>