وأنشدني لنفسه، وقد نظمه في غرضٍ له في نور الدين رحمه الله:
سلطانُنا زاهِدٌ والناس قد زهَدِوا ... له فكلٌّ على الخيراتِ مُنْكَمِشُ
أَيّامُه مثلُ شهِر الصوم طاهرةٌ ... من المعاصي وفيها الجوع والعطش
وأنشدني لنفسه:
أَأَحْبابنا هَلاّ سَبَقْتُمْ بوَصْلِنا ... صُروفَ اللّيالي قبل أَن نتفرّقا
تشاغلتمُ بالهَجِر والوَصلُ مُمْكِنٌ ... وليس إِلينا للحوادث مُرْتَقى
كأَنّا أَخذنا مِنْ صُروفِ زماننا ... أَماناً ومن جَوْرِ الحوادثِ مَوْثِقا
وقال:
قمرٌ إذا عاينتُه شَغَفاً به ... غَرَسَ الحياءُ بوجْنَتَيْه شَقيقا
وتلهّبتْ خجَلاً فلولا ماؤُها ... مُتَرَقْرِقا فيها لصار حَرِيقا
وازورّ عني مُطْرِقاً فأَضّلني ... أَنْ أَهتدي نحو السُّلُوِّ طريقا
وقال:
صَدَّ عنّي وأَعْرَضا ... وتناسى الذي مضى
واستمرّ الصدود وانْ ... قطع الوصلُ وانقضى
واختفتْ في الهوى ذُنو ... بٌ بَدَتْ حين أَبْغضا
صرَّح الآن هَجْرُه ... لي بما كان عَرَّضا
كلُّ عَيْبٍ يبين في السُّ ... خْط يخفى مع الرِّضا
وإِذا اسُتْعِطف المَلو ... لُ تجنّى وأَعرضا
ليتَ مَنْ مَلّني وأَنْ ... حَل جِسْمي وأَمرضا
عاد بالوصلِ أَو قضى ... فيَّ بالعدل إِذْ قضى
وقال:
أَقولُ للعينِ في يومِ الوَداعِ وقدْ ... فاضتْ بدمعٍ على الخدَّيْنِ مُسْتَبِقِ
تَزَوّدي اليومَ مِنْ توديِعهم نَظَراً ... ثم افَرُغي في غدٍ للدَّمْعِش والأَرق
وقال في المعنى:
يا عينُ في ساعِة التَّوْديع يَشْغَلُكِ الْبك ... اء عن آخر التّسْليم والنّظَرِ
خُذي بحَظِّكِ مِنْهمْ قبلَ بَيْنِهِم ... ثم اجهَدي بعدَهُمْ للدَّمْعِ والسَّهَر
وقال:
يا مُدَّعي الصَّبر عن أَحبابه ولهُ ... دَمْعٌ إذا حَنَّ ذِكْراهُمْ يُكَذِّبُهُ
خَلَّفَتْ قلبك في أَرضِ الشآم وقد ... أَصبحتَ في مصر يا مغرورُ تَطْلُبه
هلاّ غداةَ النّوى استصحبته وإِذا اخْت ... ار المُقامَ فهّلا كنتَ تَصْحَبُه
أَفردتَه بالأَسى في دار غُرْبَته ... وعُدتَ لا عُدتَ تَبْكيه وتَنُدُبه
هَيْهاتَ قد حالتِ الأيّام بَيْنَكُما ... فَعَزِّ نَفْسَك عمّا عَزَّ مَطْلَبه
وقال:
صبري على فَقْدِ إِخواني وفُرْقَتِهمْ ... غَدْرٌ وأَجْمَلُ بي من صَبْرِيَ الجزَعُ
تقاسَمَتْهُمْ نوًى شَطَّتْ بهم ورَدًى ... فالحيُّ كالمَيْتِ ما في قُرْبِه طَمَعْ
وأَصبحتْ وَحْشَةُ الغَبْراء دونَهُمُ ... مِنْ بَعْدِ أُنْسي بهم والشَّمْلُ مُجْتَمِعُ
وعِشْتُ مُنْفِرداً منهم وأُقْسم ما ... يكاد مُنْفَرِدٌ بالعيش ينَتْفع
وقال:
ما حِيلتي في المَلول يَظْلِمُني ... وليس إن جار منه لي جارُ
وِدادهُ كالسَّحاب مُنْتَقِلٌ ... وعهده كالسَّرابِ غَرّارُ
آمَنَ ما كنتُ منه فاجأَني ... بغدره والمَلولُ غدّار
عَوْني عليه مدامِعٌ سُفُحٌ ... وزَفْرَةٌ دون حَرّها النار
وقال:
أَصبحتُ لا أَشكو الخطوبَ وإِنما ... أَشكو زماناً لم يَدَعْ لي مُشْتكى
أَفنى أَخّلائي وأَهلَ مَوَدَّتي ... وأَباد إِخوانَ الصّفاء وأَهلكا
عاشوا براحَتِهم ومُتُّ لِفَقْدِهم ... فَعَليَّ يَبْكي لا عليهم مَنْ بكا
وبَقِيتُ بعدَهُمُ كأَنَّي حائرٌ ... بمفَازةٍ لم يَلْقَ فيها مَسْلَكا
وقال:
ونازحٍ في فُؤادي مِنْ هَواه صَدًى ... لم يُرْوِ غُلَّتَه عَلِّشي ولا نَهَلي