كلما امتدّ ناظري ردّهُ الدَّمْ ... عُ حَسِيراً عن أَن يرى لكَ شِبْها
لم يَرُقْني مِنْ بعد فَقْدِك مَرْأًى ... فيه للعَيْنِ مُسْتَرادٌ وَمْلهى
كنتَ عندي أَلذَّ مِنْ رَغَد العَيْ ... شِ وأَحلى من الحياة وأَشهى
وقال في مدح الملك الناصر صلاح الدين سلطان مصر والشام واليمن:
سَمِعَتْ صُروفُ الدَّهْرِ قولَ العاتِبِ ... وَتَجَنَّبَتْ حَرْبَ المَليكِ الحارِبِ
وَتجافتِ الأيّامُ عن مَطْلوبه ... ومُرادِه، أَكْرِمْ به من طالب
هُوَ مَنْ عَرَفْنَ فلوْ عَصاهُ نهارُه ... لرماه نَقْعُ جُيوشِه بَغياهِب
وإِذا سَطا أَضْحَتْ قلوبُ عُداتِه ... تُلْوى كَمِخْراقٍ بِكَفَّيْ لاعِبِ
مَنْ ذا يُناوي النّاصرَ المَلك الذي ... في كفه بَحْراً ردًى ومَواهِب
وإِذا سرى خِلْتَ البَسيطَة لُجَّةً ... أَمواجُها بَيْضٌ وبيضُ قَواضِب
مَلَكَ القُلوبَ مَحَبَّةً وَمهابةً ... فاقتادَها طَوْعاً بَهْيَبِة غاصِب
وله في الشيب والانحناء والعصا:
حَنانيَ الدَّهْرُ وأَب ... لَتني اللّيالي والغِيَرْ
فصِرْتُ كالقَوْسِ وَمِنْ ... عَصَايَ للقوْسِ وَتَرْ
أَهْدِجُ في مَشْي وفي ... خَطْوي فُتورٌ وَقِصَر
كأَنني مُقَيَّدٌ ... وإِنّما القَيْدُ الكِبَرُ
والعُمْرُ مِثْلُ الماء في ... آخره يأْتي الكَدَر
وله في الخيال:
يا هاجِراً راضياً وغَضْبانا ... ومُعْرِضاً هاجِداً ويَقْظانا
هَجَرْتَ إِمّا لِهَفْوَةٍ فَرَطَتْ ... منّي وإِمّا ظُلْماً وعُدْوانا
طَيْفُك ما باله يُهاجِرني ... مَنْ أَعْلَمَ الطَّيْفَ بالذي كانا
وله:
يُهَوِّنُ الخطبَ أَنَّ الدهرَ ذُو غِيَرٍ ... وأَنّ أَيامَه بَيْنَ الوَرى دُوَلُ
وأَنّ ما ساء أَو ما سَرّ مُنْتَقِلٌ ... عنّا وإِلاّ فإنّا عنه نَنْتَقِل
وله:
تناسَتْنِيَ الآجالُ حتى كأَنّني ... رَذِيَّة سَفْرٍ بالفَلاةِ حَسِيرُ
ولمّا تَدَعْ مِنْي الثّمانُون مُنَّةً ... كأَني إِذا رُمْتُ القِيام كَسِيرُ
أُودّي صَلاتي قاعداً وسُجودُها ... عليَّ إِذا رُمتُ السُّجودَ عَسير
وقد أَنذرتْني هذه الحالُ أَنني ... دَنَتْ رِحْلَةٌ مني وحان مَسِير
وله من قصيدةٍ يصف ضعفه في كبره من قطعة:
فاعجبْ لضعفِ يدي مِنْ حملِها قلماً ... مِنْ بعد حَطْمِ القَنا في لَبَّةِ الأسَدِ
وأنشدني أيضاً لنفسه:
ليَ مَوْلىً صَحِبْتُه مَذْهَب العُمْ ... رِ فلَمْ يَرْعَ حُرْمَتي وذِمامي
ظنّني ظِلَّه أُصاحِبُه الدَّهْ ... رَ على غير نائلٍ واحترام
فافْترقنا كأَنّه كان طَيْفاً ... وكأَني رأَيْتُه في المنامِ
وللأمير مجد الدين مؤيد الدولة ابن منقذ في مدح الملك الناصر:
لَهْفي لِشْرخِ شَبِيبتي وزَماني ... وتَرَوُّحي لفُتُوَّةٍ وطِعانِ
أَيّامَ لا أُعطي الصَّبابَة مِقْوَدي ... أَنَفاً، ولا يَثْني الغَرامُ عِناني
وإذا اللّواحي، في تَقَحُّمِيَ الوَغى ... لا في المُدامِ ولا الهوى تَلْحاني
وإِذا الكُماةُ على يقينٍ أَنَّهُمْ ... يَلْقى الرَّدى في الحرب مَنْ يَلْقاني
أَعْتَدُّهُمْ وهُمُ الأُسُود فرائِسي ... فهمُ دَرِيئةُ صارِمي وسِناني
والأُسْدُ تلقى مِثْلها مني إِذا ... لاقَيْتُها بقُوى يدٍ وجَنانِ
كم قد حَطَمْتُ الرُّمْحَ في لَبّاتِها ... فَتَرَكْتُها صَرْعى على الأَذقان
حتى إذا السَّبْعُون قَصَّرَ عَشْرُها ... خَطْوي وعاث الضَّعْفُ في أَركاني