للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هُمُ الأعادي وقاك اللهُ شَرَّهُمُ ... وهمْ بَزْعِمهمُ الأعوانُ والخَدمَ

إذا نهضتَ إِلى مَجْدٍ تُؤَثِّلُهُ ... تقاعدوا، فإِذا شَيَّدْتَه هَدَموا

وإِن عَرَتْكَ من الأَيّام نائبةٌ ... فكُلُّهُمْ للذي يُبْكيك مُبْتَسِم

حتّى إِذا ما انْجَلَتْ عنهم غَيابتَهُا ... بِحَدِّ عَزْمِك وهو الصّارِمُ الخَذِم

رَشَفْت آخر عَيْشٍ كُلُّه كَدرٌ ... وَوِرْدُهُمْ مِنْ نَداك السَّلْسَلُ الشَّبِم

وإِن أَتاهُمْ بقَوْلٍ عنك مُخْتَلَقٍ ... واشٍ فذاك الذي يُحْبى وُيْحَتَرم

وكُلُّ مَنْ مِلْتَ عنه قَرَّبوه وَمَنْ ... وَالاكَ فَهْو الذي يُقْصي ويُهْتَضَم

بَغْياً وكُفْراً لِما أَوْلَيْتَ مِنْ مِنَنٍ وَمَرْتَعُ البَغْي لولا جَهْلُهُمْ وَخِم

جَرِّبْهُمُ مِثْلَ تجريبي لِتَخْبُرَهُمْ ... فللرّجال إِذا ما جُرّبوا قِيَمُ

هل فيهمُ رُجُلٌ يُغْني غِنايَ إِذا ... جَلَّى الحوادثَ حَدُّ السَّيْفِ والقلم

أَمْ فيهُم مَنْ له في الخَطْبِ ضاق به ... ذَرْعُ الرجال يَدٌ يَسْطو بها وَفَمُ

لكنّ رأيَك أَدْناهُمْ وأَبْعدني ... فلَيْتَ أَنّا بقدر الحُبّ نَقْتَسِم

وما سَخِطْتُ بِعادي إذْ رضِيتَ به ... وما لِجُرْحٍ إذا أَرضاكم أَلم

ولستُ آسى على التَّرْحال من بلدٍ ... شُهْبُ البُزاةِ سَواءٌ فيه والرَّخَم

تعلَّقَتْ بحبال الشَّمْسِ فيه يدي ... ثم انثنتْ وهي صفْرٌ مِلْؤُها نَدَم

فاسلم فما عشْتَ لي فالدَّهْرُ طَوْعُ يدي ... وكلُّ ما نالني من بُؤْسِه نِعَم

وأردت أن أورد من نثره ما يزهر فجره ويبهر سحره، فوجدت له جواب كتابٍ كتبه القاضي الفاضل ابن البيساني إليه من مصر عند عوده إليها ونحن بدمشق سنة إحدى وسبعين، وأثبت أولاً الرسالة الفاضلية وهي أديبة غريبة، صنيعةٌ بديعة، جامعة للدرر، لامعة بالغرر، وهي: وصل كتاب الحضرة الشامية الأجلية، المؤيدة الموفقة المكرمة، مجد الدين، قدوة المجاهدين، شيخ الأمراء، أمين العلماء، مؤيد الدولة، عز الملة، ذات الفضيلتين، خالصة أمير المؤمنين، لا زالت رياض ثنائها متناوحة، وخطرات الردى دونها متنازحة، والبركات إلى جانبها متوالية، والليالي بأنوار سعادتها متلالية، والأيام الجافية، عن بقية الفضل بها متجافية، وأحكامها الهافية، تاركةً للمجد فيها فئةً تتحيز إليها المكرمات إذا لم يكن لها فيه. فأنشده ضالة هوى كان لنشدانها مرصدا، ورفع له ناراً موسويةً سمع عندها الخطاب وآنس الخير ووجد الهدى، وكانت نار الغليل، في فؤاده بخلاف نار الخليل، فإنها لا تقبل ندى الأجفان بأن يكون برداً وسلاما، ولا ترى بمائها إلا أضرى ما كانت ضراما، وشهد الله حوالةً على علمه بما هو فيه، لا إحالةً بما يخالفه الضمير وينافيه، ولقد كان العبد ناكس الرأس خجلاً، غضيض الطرف حياء، مقيد النظر إطراقاً، حصر القول تشورا منه، فارقها على تلك الصفة فلا هو قضى من حقها فرائض لزمت، والله وتعينت، ولا الضرورة في مقامها بحيث تبلغه أنسها أذنت، ولا مدت هذه الطيفية والسحابة الصيفية بالنوى المستأنفة ما اقتربت، ولا الأيام بالبعد ما أساءت فإنها بالقرب ما أحسنت:

وإن امرءًا يَبْقى على ذا فؤادُه ... ويُخْبِرُ عنه إِنه لصبور

ويعود إلى ذكر الكتاب الكريم، وسجد لمحرابه وسلم، وحسب سطوره مباسم تبسم، ووقف عليه وقوف المحب على الطلل يكلمه ولا يتكلم، وهطل جفنه وقد كان جمادى ودمعه وقد كان على صفحة المحرم، وجدد له صبابةً لا يصحبها أمل، وخاف أن لا يدرك الهيجاء حمل، وقال الكتاب:

إنّا مُحَبُّوكَ فاسْلَمْ أَيُّها الطَلَلُ

وعز والله عليه أن يدخل كاتبه القلوب ويخرج من المقل، وأنشد نيابةً عنها:

وإِن بلاداً ما احْتَلتْ بي لعاطِلٌ ... وإنّ زماناً ما وفى لي لَخَوّانُ

<<  <  ج: ص:  >  >>