للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يا كاشفَ الغُمّة الكُبرى وقد نَزَلَتْ ... بشَعْب شَمْلِ العُلا لولا تَلافيكا

بَرَّزْتَ سَبْقَاً فما داناك في أَمَدٍ ... خَلْقٌ قديماً ولا خَلْقٌ يُدانيكا

أَرَتْ مساعيك سُبْلَ المجدِ جاهِلَها ... فَلَوْ سعى كان أيضاً من مَساعيكا

يخافُك المَلْكُ ناءٍ عنك مَنْزِلُه ... ويُقْتِرُ المرءُ عن بُعدٍ فَيَرْجوكا

يَشْكُو إليكَ بنو الآمال فقرَهُمُ ... فينْثَنون وبيتَ المال يَشْكُوكا

وَفَيْلَقٍ يملأُ الأقطار ذي لَجَبٍ ... يُضْحي له ثابتُ الأطْوادِ مَدْكُوكا

من كلِّ أَغْلَب تلقى عِرْضَه حَرَمَاً ... مُوَفَّراً وتُلاقي المالَ مَنْهُوكا

سَنَّ الحديدَ على كالماءِ شَيَّعَهُ ... مثلُ الحديد براه الله فِتّيكا

صُمٌّ عن الذّامِ لا يَأْتُون داعيَهُ ... فإن دعوتَ إلى حربٍ أجابوكا

بَعَثْتَهُم نحو جيش الشِّركِ فانْبعثوا ... يَرَوْنَ أَكْبَرَ غُنْمٍ أنْ أطاعوكا

ساروا إلى الموتِ قُدماً ما كأنَّهمُ ... رَأَوْا طريق فِرارٍ قَطُّ مَسْلُوكا

فأوردوا السُّمْرَ شُرْباً من نحورِهمُ ... وأوطأوا الهامَ بالقاع السَّنابيكا

ضَرْبَاً وَطَعْناً يَقُدُّ البِيضَ مُحْكَمةً ... ويَخرُقُ الزَّرَدَ الماذِيَّ مَحْبُوكا

وباتَ في كلِّ صُقْعٍ من ديارِهُمُ ... نَوْحٌ على بَطلٍ لولاك ماشِيكا

أَمْسَوْا ملوكاً ذوي أَسْرٍ فصَبَّحَهمْ ... أُسْدٌ أَتَوْكَ بهم أسرى مَماليكا

ولم يَفُتْهُمْ سوى من كان مَعْقِلُه ... مُطَهَّماً حَثّهُ ركْضاً وتحريكا

يا كَعْبَةَ الجود إن الفقر أَقْعَدني ... ورِقّةُ الحال عن مفروضِ حَجّيكا

قد جادَ غاديك لي جَوْدَاً وأطمَعني ... سماحةٌ فيك في استسقاء ساريكا

مَن أَرْتَجي يا كريمَ الدهر تَنْعَشُني ... جَدْوَاه إنْ خاب سَعْيِي في رَجائيكا

أأمدحُ التُّرْكَ أبغي الفضلَ عندهمُ ... والشعرُ ما زال عند التُّرْك مَتْرُوكا

أمْ أَمْدَحُ السُّوقَةَ النَّوْكى لرِفْدِهمُ ... وا ضيعتا إن تخَطَّتني أياديكا

لا تتركنّي، وما أمّلتُ في سفري ... سواك، أُقْفِل نحو الأهل صُعْلوكا

أرى السِّباخَ لها رِيٌّ وقد رَضِيَتْ ... منك الرِّياض مُساواةً وتشريكا

ولما وصل الملك الناصر صلاح الدين يوسف من مصر إلى الشام بعد نور الدين في سنة سبعين وخيّم بظاهر حمص وقصده المهذَّب ابن أسعد بقصيدة قال القاضي الفاضل لصلاح الدين هذا الذي يقول:

والشعر ما زال عند الترك متروكا

فعجّل جائزته لتكذيب قوله وتصديق ظنّه فشرّفه وجمع له بين الخِلعة والضيعة.

وكان قد أنشدني أبياتاً من هذه القصيدة قبلُ ولا شك أنه أتمّها في مدحه وهي:

ما نامَ بعد البَيْن يَسْتَحلي الكَرى ... إلاّ ليطرُقَه الخَيالُ إذا سرى

كَلِفُ بقُرْبِكُمُ فلمّا عاقهُ ... بُعْدُ المَدى سلك الطريقَ الأخَصْرا

ومنها:

ومُودَّعٍ أَمَّ التَّفَرُّقُ دمعَهُ ... ونهتْهُ رِقْبَةُ كاشحٍ فتحيَّرا

يبدو هلالٌ من خلال سُجوفِه ... لولا مُحاذَرَةُ العيون لأبدرا

ومنها في المديح:

تُردي الكتائبَ كُتْبُهُ فإذا غدتْ ... لم تَدرِ أَنْفذَ أَسطراً أمْ عَسكرا

لم يَحْسُنِ الإترابُ فوقَ سُطورها ... إلاّ لأنَّ الجيش يَعقُدُ عِثْيَرا

قال: هذا معنى ما سُبِقْتُ إليه. وللأستاذ أبي إسماعيل الطُّغرائي من قصيدة وقد ألَمَّ بالمعنى وأحسَن:

عليها سُطورُ الضَّرْبِ يَعجُمها القَنا ... صحائف يغشاها من النَّقْع تَتريبُ

وأنشدني أيضاً لنفسه:

<<  <  ج: ص:  >  >>