للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كم في العِذار إلى العُذَّال لي عُذُرُ ... وكم يُحاورُهمْ عن لومِيَ الحَوَرُ

وكم أرى عندهم من حبِّه خبَراً ... يرويه عن مُقلَتّيَّ الدَّمْعُ والسَّهَرُ

يبغونَ بالعَذْل بُرئي من علاقته ... والقولُ يُصلِحُ من لم يَجرحِ النَّظَرُ

قالوا تركتَ البوادي قلت حُبُّهُمُ ... محرَّمٌُ حظَرَتْه التُّركُ والحضَرُ

ما منزل الحيِّ من قلبي بمنزِلَةٍ ... ولا لآثار ظَعنٍ عنده أثَرُ

ولا أُعلَّقُ مَحبوباً يُساعدُه ... على الصُّدود سُتورَ الخِدرِ والخُمُرُ

أَميلُ عن حُسْنِ وَجه الشَّمس مُستتراً ... إلى مَحاسِنَ يجلوها ليَ القمر

قضيبُ بانٍ على أَعلاه بَدرُ دُجىً ... من أينَ لِلبانِ هذا الزَّهرُ والثَّمَرُ

وأنشدني له من قصيدة في مدح الملك الصالح طلائع بن رُزِّيك:

إذا لاحَ بَرقٌ من جَنابكَ لامِعٌ ... أَضاءَ لِواشٍ ما تُجِنُّ الأضالِعُ

تَتابع لا يحتَثُّ جَفني فإنَّه ... بدا فتَلاهُ دَمعِيَ المُتتابع

فإن يكنِ الخِصْبُ اطَّباكُمْ إلى النَّوى ... فقد أَخصبَتْ من مُقلَتّيَّ المَرابع

مطالع بَدرٍ منذُ عامَين عُطِّلَتْ ... وما فقدَتْ بَدراً لذاكَ المَطالع

وسِرُّ هوى هَمَّتْ بإظهاره النَّوى ... فأمسى وقد نادتْ عليه المَدامِعُ

ولمّا برَزنا للوداع وأَيْقَنَتْ ... نُفوسٌ دهاها البَيْنُ ما اللهُ صانِعُ

وقفنا ورُسْلُ الشَّوقِ بيني وبينها ... حَواجِبُ أَدَّتْ بثَّنا وأصابع

فلا حُزننا غَطَّى عليه تَجَلُّدٌ ... ولا حسنُها غطَّتْ عليه البراقع

أَتنسَينَ ما بيني وبينكِ والدُّجى ... غِطاءٌ علينا والعيونُ هواجع

وهَبْكِ أَضَعْتِ القلبَ حين ملكْتِه ... تَقي في العهود اللهَ فهي ودائع

تمادى بنا في جاهليَّة بُخلِها ... وقد قام بالمعروف في الناس شارع

وتَحسَب ليلَ الشُّحِّ يمتَدُّ بعدَما ... بدا طالعاً شمسُ السَّخاء طلائع

وأنشدني له ما نظمه في صباه وهو في المكتب في مَرثيَة صبيٍّ كان في الكتّاب معه:

أَمسيتَ تحت الأرض تُرغِبُ في الأسى ... مَن كان نحوك في الحوائجِ يَرغَبُ

يَهدي إليك بِعَرْفه طيبُ الثَّرى ... مَن كان يهديه الثَّناءُ الطَّيِّبُ

وأنشدني له قصيدةً عملها في الملك العادل نور الدين محمود بن زَنكي رحمه الله سنة أغارت الإفرنج على مُعسكره ومخيَّمه بالبقيعة تحت حصن الأكراد وكانت نوبة عظيمة على المسلمين وأَفْلَتَ في فَلٍّ من عسكره، وهذا أحسن ما سمعته في مدح مَنْ كُسِرَ وعُذِر، ولقد وافق العذر ما ذكر، واتصف بعد ذلك وانتصر، ونال الظَّفر:

ظُبى المَواضي وأطرافُ القنا الذُّبُلِ ... ضَوامنٌ لكَ ما حازوه من نَفَل

وكافلٌ لكَ كافٍ ما تحاولُهُ ... عِزٌّ وعَزْمٌ وبأْسٌ غير منتَحَل

وما يَعيبُك ما نالوه من سَلَبٍ ... بالخَتْلِ، قد تُوتَرُ الآسادُ بالحِيَل

وإنَّما أَخلَدوا جُبناً إلى خُدَعٍ ... إذا لم يكن لهم بالجيش من قِبَلِ

واستيقظوا وأَرادَ الله غفلتَكُمْ ... ليَنْفُذَ القدر المحتوم في الأزل

حتى أتَوْكُمْ ولا الماذِيُّ من أَمَمٍ ... ولا الظُّبى كثَبٌ من مُرهَقٍ عَجِل

فناً لقىً وقِسِيٌّ غيرُ مُوترَةٍ ... والخيلُ عازبَةٌ تَرعى مع الحَمَل

ما يصنعُ الليثُ لا نابٌ ولا ظُفُرٌ ... بما حواليه من عُفْرٍ ومن وُعُل

هلاّ وقد ركِبَ الأُسْدُ الصُّقورَ وقد ... سَلُّوا الظُّبى تحتَ غاباتٍ من الأَسَل

من كلِّ ضافيةِ السِّربال صافية الْ ... قِذافِ بالنَّبْل فيها الخَذْفُ بالنَّبَل

<<  <  ج: ص:  >  >>