أبو علي الحسن بن سعيد بن عبد الله، وشاتان من نواحي ديار بكر، مقامه بالمَوصل ومَقرُّ أهله، ومطار فضله، ووَكر فِراخه، ووِرد نُقاخه، ومُناخ أشياخه، ومَرمى مرامه، ومَرعى سَوامِه، ومَرادُ مُراده، ومَربِضُ جَواده، ومَراح مِراحه، ومَعدى فَلاحه، ومَربع اغتباقه واصطِباحه، ومرتع اغتباطه واصطلاحه، ومَبيتُ عمله، ومَنبت أمله، ومَغنى غِناه، ومَبنى مُناه، وأرض رِضاه، ورَوضُ هَواه، ووطَنُ وَطَرِه، وحَظيرة حَضره، وبُقعة شاته، ورُقعة شاهه، وتَلْعَةُ نَجاته، وقلعةُ جاهه، وهو في مارستانها مُتَوَلٍّ، وعلى حفظ الأوقاف مُستَولٍ، وله شِقْشِقةٌ في الأدب تهدر فصاحة، وحَملَقةٌ في النَّظر للعجب يسمِّيها حُسَّاده حَماقة، قد وفَّر الله حظَّه من النُّطق فما يرى السُّكوت، ويستلذُّ بالاستكثار من الكلام ومواصلته ولو هجَرَ القوت، إذا حضر نادياً لمْ يرضَ إلاّ بأن يتفرَّد بالقول وغيره مستمع، ويترفَّع بالفضل والكلُّ مُتَّضِع، لا جرَمَ ترشقُه سِهامُ الإيذاء، وتطرقه قوارص الظرفاء، لقد كان في أمان من الطَّيش، وضمانٍ من طيب العيش، وفراغٍ ورَفاغة، وبُلغَةٍ من بَلاغة، ورفاهيةٍ بغير كراهية، ونِعمةٍ لِقَدْرِ فضله مُضاهِيَة، وبضائع نافقة، وذرائع مُوافقة، ونقودٍ رائجة، وعُقودٍ مُتناسقة، ذلك والصَّدر الوزير جمال الدين بالموصل في صدر وِزارته مَشرق الجمال، متألِّق الإقبال، فائض السِّجال، مستفيض النَّوال، غامر أُولي الفضل بالإفضال، وهم في ظلِّه يَقيلون، وإلى نَيله يَميلون، وبطَوله يَطولون، وبصَوله يَصولون، وإلى فيضه يوفِضون، وفي روضِه يرتاضون، ولِنَداه يُنادون، ولِجَداه يَجتدون، وبنجمه يهتدون، ولهديه يستهدون، وعلَم العِلم في العلم عنده عال، وسِعْر الشِّعر في سوق الرجاء رائجٌ غال، فلما نُكِبَ الوزير، نضَبَ الغدير، وفاض الجهل، وباضَ الجَور، وغاض الماءُ وقُضِيَ الأمر، وانهدَّ جُودِيُّ الجُود، وذَوى عودُ الوعود، وابتُلِيَت بالحزن النُّهى، وبالخَزْن اللُّهى، وصِينَ العَرَض، وبُذِل العِرْض، وقصُر الطُّولُ وضاق العَرْض، وحال الجَريض دون القريض، وأغنى التَّصريح برَدِّ ذوي الحاجات عن التَّعريض، وانقطع الواصلون إلى الموصل، وتفرَّق الفاضلون عن المَحفِل، وغلب اليأسُ على الرَّجاء، والبخلُ على السَّخاء، وأظلم الجَوّ، وعُدِمَ الضَّوْ، وشتا الشّاتاني بعد وصاف، ففقد الإنصاف، وحُرِمَ الإسعاف، ووقف أمره في الوقف، وعُوِّضَ رِفقُه بالعنف، ونُفِيَ حقُّه ونُسِي، وأُرجِيَ رجاؤه وأُنسي، ورأى المَوصل مَقطعاً، والمَفزَع مُفزِعاً، والمَولى مُوَلِّياً، والسابق مُصلِّياً، والمعرفة نكرة، والمِعْزَفة منكسرة، والمَرَقَة مُراقَة،، والورقة منخرقة، ورِفقة الأدب عن المأدُبة متفرِّقة، فطلب إسفار صبح حاله، وسُفور وَجه جماله، في أسفاره وحلِّه وترحاله، فلمّا سار آنس من نور الدين ناراً بل نورا، وكان أمر الله قدَراً مقدورا، فاتَّخذ دمشق دار هجرته، وغار أسرته، ومبرَكَ مَبَرَّته، ومسرحَ مسرَّته، ومَجثَمَ رُبوضه، وموسم سُننه وفروضه، ومَرْجَ مرحه،، وبرج فرحه، وبيت قصده وبيت قصيدته، فأشرق عند النّور نورُه، وانتظمت بأمره أُموره، ودَرَّت أَنواءُ إدراره، وذَرَّت أَنوار إبراره، فلمّا خبا ذلك النّور، وطُوي المَنشور، وأُطبِقَ الدّستور، وتولّى أبو صالح، مُلكَ الملِك الصالح، بدأَ بتبطيل المصالح، وتعطيل المنايح، ومنع الصِّلات، ورفع الصَّدقات، وقال للشاتاني: غِبْ وخِبْ، وإذا دُعِيتَ فلا تُجِبْ، فما لأريبٍ عندنا أرب، وما لأديب لدينا إلاّ الدَّأَبْ، والفضل فضول، والعلم غُلول، وما علِم العلَم حينئذ كيف العمَل، وفيم الأمل، أيحتمل أم يتحمَّل، أَيُغَرِّبْ أَم يُشَرِّق، أيُنجِدْ أم يُعرِق، حتى تداركَ الله ذَماء الفضل ورَعى ذِمامَ أهله، بإنارة صبح الحقّ واتّضاح سبله، وإعلاء أعلام النَّدى، وإحكام أَحكام الهُدى، ووصول الرَّايات الملكيَّة النّاصريَّة إلى الشام، وقيامه بنصر الإسلام، انتعشَ جَدُّ الكِرام العاثر، وحَيِيَ رَسم الجود الدّاثر، وفرَّ ذلك الشيطان من ظلِّ عمر، وغُمِرَ ذلك الغَمْر بما أفاضَ من البرّ وغَمَر، وصار الشام بيوسف مِصر مِصراً آخر بإحسانه، وفرّ عَون فِرعون وهامانه، وبسطَ المَكرُمات، وأَدرَّ المبرّات، وردَّ الصِّلات، والصَّدقات، وعادت
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute