للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حال هذا الفاضل حالية، وقيمته غالية، وديمَةُ حظِّه هامية، وحِظوَةُ فضيلته نامية، ومدحه بقصيدةٍ أوّلها: حال هذا الفاضل حالية، وقيمته غالية، وديمَةُ حظِّه هامية، وحِظوَةُ فضيلته نامية، ومدحه بقصيدةٍ أوّلها:

أرى النَّصرَ مَعقوداً برايتكَ الصَّفرا ... فَسِرْ وافتح الدُّنيا فأنت بها أَحرى

ومنها:

يَمينُكَ فيها اليُمْنُ واليُسْرُ في اليُسرى ... فبُشرى لمن يرجو النَّدى منهما بُشرى

وهذا علم الدين ذو العلم الغزير، والفضل الكثير، وله المحفوظ الوافر من كلِّ فنّ، وهو المحظوظ بكلِّ قَبولٍ ومَنّ، وقد وفدّ في ريعان عمره إلى عمّي العزيز ببغداذ، واتَّخذه المَعاذ، ومدحه، فأجازَه ومنحه، وسلَّمه إلى ابن سلمان فقرأ عليه الفقه، وبلغ من معرفته الكُنه، واكتسب خلُقُه الظَّرف، واكتسى شِعره الرِّقَّة واللطف، حاوي المحاسن، صافي البطن، سليم القلب، قويم اللَّب، حلو الفكاهة، بديع الفِقرة، سريع النَّفرة، عَجِل الأوبة، طويل الفكرة، قليلُ العَثرة، مستجيب العَبرة، مستريب بالكرَّة، إذا أردتَ أن تَغيظه فتعرَّض له أَو اعِترضْ عليه، وتحدَّث بين يديه، وقلوب الفضلاء مَغسولة، وحكمتهم معسولة، وحِدَّتهم مَقبولة، وشِدَّتهم لِين، وغَثُّهم سمين، ومُقاربتُهم فضيلة، ومُجانبتهم رذيلة، وشَرفُهم عتيد، وأنَفهم شديد.

قد توجَّه من الموصل سَفيراً إلى دار الخلافة مِراراً، ووجد ببَرِّها وكرامتها على الأَعيان إِبراراً، وأقبل عليه الوزير الهُبَيري لِشَغَفِه بأمثاله من أهل الفضل، وعاد نجيع السَّعي مَوفور المَحَلّ، أنشدني لنفسه من قصيدة وازن بها قصيدةً لي نظمتها في ابن هبيرةَ الوزير:

أهدى إلى جسدي الضَّنى فأَعلَّه ... وعسى يرِقّ لعَبده ولعلَّهُ

ما كنتُ أحسب أن عَقْدَ تَجَلُّدي ... ينحلُّ بالهِجران حتّى حلَّه

يا ويح قلبي أينَ أطلبُه وقدْ ... نادى به داعي الهوى فأَضَلَّه

إن لم يَجُدْ بالعطف منه على الذي ... قد ذاب من بَرحِ الغرام فمَن له

فأشَدُّ ما يلقاه من ألم الهوى ... قولُ العَواذل إنّه قدْ ملَّه

نظمها على وزن قصيدة لي منها:

سلْ سيفَ ناظرِه لماذا سلَّه ... وعلى دَمي لِمَ دَلَّهُ قَدٌّ لهُ

واستَفْتِ كيفَ أباحَ في شرع الهوى ... دمَ مَن يَهيمُ به وفيمَ أَحلَّه

سلْ عطفَه فعسى لطافةُ عِطْفِهِ ... تُعدي قَساوة قلبه ولعلَّه

كثُرَتْ لقَسوةِ قلبه جَفَواتُه ... يا ما أَرَقُّ وفاءَه وأَقلَّهُ

يا مُنجِداً ناديتُه مُستنجداً ... في خلَّتي والمَرءُ يُنجِد خِلَّهُ

سِرْ حاملاً سِرّي فأنت لِحَمْله ... أَهلٌ وخَفّف عن فؤادي ثِقْلَهُ

وإذا وصلتَ فغُضَّ عن وادي الغَضا ... طَرْفَ المُريبِ وحَيِّ عنّي أَهلَهُ

أَهْدِ السّلام، هُديتَ، للرّشإِ الذي ... أعطاه قلبي رُشدَه فأَضلَّهُ

والقصيدة طويلة.

وأنشدني له في التَّشَوُّق إلى أَولاده بالمَوصل وكتبها إليهم من دمشق:

يا أهلَ سِكَّة بشران تحيةَ مَنْ ... حَشا فِراقُكُمُ أَحشاءَه حُرَقا

يَبكي فتجري بجَيْرونٍ مَدامِعهُ ... فتشتكي أهلُها من فيضها الغَرقا

وأنشدني لنفسه في الربيعيات:

بشَّرَ الطَّيرُ باعتدالِ الزَّمانِ ... وشَدا شَجْوَه على الأغصان

وبكَتْ أعين السّماء بدمعٍ ... أضحكَ الأرضَ، فالرُّبى كالغواني

فاغتنمْ فرصةَ الزَّمان وباكِرْ ... قهوةً طال مُكثُها في الدِّنانِ

عصروها في عصر دارا بن دارا ... ملكِ الفرس من بني ساسانِ

فهي تروي أخباره ثم تحكي ... ما جرى في زمان نُوشروانِ

فاسقِنيها من كفِّ أَهيفَ تَرنو ... مُقلتاه عن أعين الغزلان

في رياضٍ أنيقةٍ ذاتِ حُسنٍ ... تتجلَّى في سائر الألوان

<<  <  ج: ص:  >  >>