لولا الأماني التي تُحيي النفوسَ بها ... لمُتُّ من لوعةٍ في القلب تستعِرُ
ومنها في عمر المَلاّء:
وأصدقُ النّاس في حفظ العهود إذا ... ميَّزْتَ بالفكر أحوالَ الورى عُمَرُ
الزَّاهد العابد البَرُّ التَّقِيُّ ومَنْ ... يزوره ويُقوِّي أزرَه الخَضِرُ
قال علم الدين الشاتانيّ: قال القاضي نجم الدين الشهرزوري قاضي الموصل: دخل إليَّ شابٌّ من أهل بغداد وأنشدني هذه الأبيات:
في نهر عيسى والهواءُ مُعَنبَرُ ... والماءُ فِضِّيُّ القميص صَقيلُ
والطَّيرُ إمّا هاتفٌ بقرينِه ... أو نادبٌ يشكو الفراقَ ثَكولُ
وعرائسُ السَّرْوِ التَحَفْنَ بسُنْدُسٍ ... ورقصْنَ فارتفعتْ لهُنَّ ذُيولُ
وقال لي: اعملْ على وَزنها ما يناسبها فعملت في الحال:
والغصنُ مَهزوزُ القَوامِ كأنّما ... دارتْ عليه من الشَّمال شَمولُ
والدَّهر كالليل البهيم وأنتمُ ... غُرَرٌ تُنيرُ ظلامَه وحُجولُ
وأنشدني الشاتاني لنفسه:
خليليَّ هل من مُسعِدٍ لي أَبُثُّه ... غراماً له بين الضُّلوع لهيبُ
وزفرَةَ أَشواقٍ تقادمَ عهدُها ... فليس لها حتى الممات طبيبُ
عفا الله عمَّن خان عهدي وإنَّه ... إليَّ، وإن خان العُهودَ، حبيبُ
إلامَ أُمَنّي النفسَ منه بِزَوْرَةٍ ... فيَثنيه عنّي عاذلٌ ورقيبُ
أتوبُ إلى الرّحمن من كلِّ رِيبَةٍ ... ومِن وَصْلِ مَن أهواهُ لستُ أتوبُ
وأنشدني له من أبيات كتبها إلى ابن كمال الدين الشهرزوريّ وقد زار الجوديّ:
جلالَ الدين تَهْنِيكَ الزيارهْ ... ولي بقَبولها منك البِشارَهْ
ومنها:
زَها واستبشرَ الجُوديُّ لمّا ... رأى منك النّزاهة والطَّهارهْ
وصارَ التُّرْبُ من مَمْشَاكَ مِسكاً ... به وَتَجَوْهَرَتْ منه الحِجارَهْ
وأنشدني له في حاسد له وثب عليه الأسد وعاد عنه ولم يفترسه، عملها ارتجالاً عن غير روية، ولا فكرة قوية:
قلتُ للَّيْثِ: لِمْ تأخَّرت عنهُ ... حين غادرْتَه لديك صريعا
قال: قدَّرْتُ أنني حُزْتَ صَيْدَاً ... فتأمَّلْتُه فكان رَجيعا
فأبتْ نفسي الأبيّةُ عنهُ ... أن ترى أكلَه وإن مُتّ جوعا
وأنشدني له في السابق المعري يستعدي عليه عند الشيخ:
مولايَ فخرَ الدين يا ذا النُّهى ... ما قيمةُ الأخرسِ كالناطقِ
كلاّ ولا العبدُ المُطيع الذي ... يرجو رِضا مَوْلاه كالآبِقِ
يا أروعاً تَرْتَاعُ أُسدُ الشَّرى ... في خِيسها من عزمِه الصادق
بهمَّةٍ عاليةٍ ما لها ... عن عَقْوَة العَيُّوقِ من عائقِ
للعبد أبياتٌ زها حُسْنُها ... حَبَّرها من لفظِه الرائقِ
قَطْعُ لسان المُفسِدِ السابِقِ ... أَوْجَبُ من قطعِ يد السارقِ
يَبْتَزُّ أموالَ الورى عَنْوَةً ... ويكفرُ الرِّزْقَ مِن الرازِقِ
غِذاؤُه الغِيبةُ لا غيرها ... شيمةُ نَذْلٍ خائن ماذِقِ
والسَّعي لا في الخير يبغي به ... وُقوعَ أهلِ الدين في مازِقِ
خِبٌّ إذا لاحَتْ له فرصةٌ ... ينقضّ كالبازِيّ والباشِقِ
ما زال يُؤذي الناس حتى رأى ... كساده في سُوقِه النافِقِ
وقُوبِلَتْ أفعاله بالذي ... عاينَه في نَغْلِه المارقِ
فموتُه في السجنِ أَوْلَى به ... وَرَمْيُ مَن رَبّاه مِن حالقِ
وإنْ أَرَحْتَ الناس من شرّه ... أحرزتَ شُكرَ الخَلْقِ والخالقِ
وأجهلُ العالَم عندي امرؤٌ ... يهدّد الضِّرغام بالناهقِ
وأنشدني لنفسه:
خَليليَّ كُفّا عن مَلامي وعَرِّجا ... فأنفاسُ نَجْدٍ نشرُها قد تأرَّجا