وقُولا لمنْ قد ضَلَّ عن قَصْدِ حِبّه ... وَجَدْنا إلى وَصْلِ الأحبّة مَنْهَجا
وحُطّا بأكْنافِ الحِمى فقد انتهى ... مَسيرُ مطايا قد أضرَّ بها الوَجا
فقد لاحَ ضوءُ الصبح بعدَ كُمونِه ... ومزَّقَ ثوباً لفَّقَته يدُ الدُّجى
وحاكَتْ يدُ الأنواءِ للأرضِ حُلَّةً ... تُقَدِّرُها الأبصارُ ثَوْبَاً مُمَرَّجا
وغرَّدَ في الأيْكِ الهَزار تَطَرُّباً ... وهَيَّجَه بَرْحُ الغَرام فهَزَّجا
فحُثّا كؤوساً عَدَّل العَقلَ مزجُها ... بها وَجَدَتْ نفسي من الهَمِّ مَخْرَجا
ولا تَسْقِيا منها لمن لان ودُّهُ ... فتُخْرجَه عن عالم العِلم والحِجى
فيُظْهر أسرار الهوى ويُذيعها ... وَمَنْ كَتَمَ الأسرار في قلبه نجا
وما أدركَ المَطلوبَ إلاّ أخو نُهىً ... له يَقْظَةٌ خافَ البَياتَ فَأَدْلجا
ومدح نور الدين بهذه الأبيات:
ما نال شأْوَكَ في المعالي سِنْجِرُ ... كلاّ ولا كِسرى ولا الإسكندرُ
يا خيرَ مَن ركِبَ الجِيادَ وخاضَ في ... لُجَجِ المنايا والأَسِنَّةُ تَقطُرُ
هل حازَ غيرُكَ ملكَ مصرَ وصار مِن ... أَتباعه مَن جَدُّه المُستنصِرُ
والمستضي بالله مُعتَدُّ به ... وبحَدِّه وبِجَدِّه مُسْتَظهر
أو سَدَّ بالشام الثُّغورَ مُحامياً ... للدين حتى عاد عنها قيصر
يبكي فيروى الأرضَ فيضُ دموعه ... والجَوُّ مِن أنفاسه يَتَسَعَّرُ
أَوَما أبوك بسيفه فتحَ الرُّها ... والأُسْدُ تقتَنِصُ الكماةَ وتزأَرُ
هابت ملوك الأرض بأْسَ كُماتِها ... فتقاعدوا عن قصدِها وتأَخَّروا
ما ضَرَّه طَيُّ المَنِيَّة ذاتَه ... وصِفاته بين البريَّة تُنشَرُ
فلكمْ على كلِّ الملوك مَزِيَّةٌ ... لِوَقائع مشهورةٍ لا تُنكَر
وإذا عدَدْنا للأنام مناقباً ... فعليك قبل الكُلِّ يُثْنَى الخنصرُ
في الرَّأْي قيسٌ في السَّماحة حاتمٌ ... في النُّطْق قُسٌّ في البسالة حيدر
دانتْ لكَ الدُّنيا وأنتَ تعافُها ... وسِواكَ في آماله يتعثَّرُ
من ذا يصونُ الصين عنك وأنت مَنْ ... أُسْدُ الشَّرى منه تخافُ وتَحذَرُ
ذكر أنه نظمها على وزن قصيدة للحويزي أوَّله: الله أكبر ثمَّ سِنجِر أكبرُ، ومنها:
إن كان بين الفاتحين بقدْر ما ... بين الفُتوح فعَبدُك الإسكندَرُ
وعَتِبَ عليَّ ونحن بدمشق مُتجَنِّياً، وضَنَّ بمواصلته مُتَظّنِّياً، فإنَّه كان يستشيط من كلِّ كلمة فيها قاع، حتى يغضب من ذكر الفُقّاع، فعُمِلَتْ أَبياتٌ لا يخلو بيتٌ منها من هذه اللفظة في مَعانٍ حِكَمِيَّةٍ ليس له فيها ذِكْر، وكانت تُنشَد وهو يغضب ويَحرَد، ونسبها مَن أرادَ إغراءَه بي إليّ، فعتَب لأجل ذلك عليَّ، فكتبت إليه:
لا أوحَشَ الله منكَ يا علَم الدّ ... ين نَدِيَّ الكِرام والفُضَلا
أَعَنْ قِلاً ذا الصُّدودُ أَم ملَلٍ ... حاشا العُلا من مَلالَةٍ وقِلا
هل جائزٌ في العُلا لِرَبِّ عُلىً ... أن يغتدي هاجِراً لِربِّ عُلى
كنتَ أخاً إن جَفا الزَّمانُ وَفى ... أوْ قطعَ الوُدَّ أهلُه وَصَلا
إن أظلمتْ خُطَّةٌ أَضاء لنا ... أو ظلمَ الخَطْبُ جائراً عَدَلا
رَفيقُ رِفْقٍ لنا إذا عَنُفَ الدَّ ... هْرُ وخِلاً يُسَدِّدُ الخَللا
صديق صِدقٍ ما زال إن كذَبَ السُّ ... عاةُ للأصدقاء مُحتَمِلا
فما الذي كدَّرَ الصفاءَ مِنَ ال ... ودِّ ولم يُرْوِ وِرْدُه الغُلَلا
فضلُكَ روحُ العُلا وهل بدَنٌ ... مِن روحه الدَّهرَ واجِدٌ بدلا