للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المؤدي إلى الإضرار والإتلاف، أشرف الكلام ما شَرُفت معانيه، ورقَّت حجب عبارته وصحَّت مبانيه، العبادات كالأواني تغرف بها من معين المعاني، ما كلُّ إناء شَفّاف، يحكي ما وراءه من المعاني اللِّطاف، كلامُ الفضلاء، إنما يعذب في مسامع الفقهاء، لا تَشِنْ وَجْهَ مقالتك بكلف التكلّف، ولا تُثَقِّل روح كلامك بهُجنة التعسُّف، كلّما ثَقُل روح الكلام ألغتْه الأسماع ومجَّتْه الأفهام، لا تجعل باب سمعك مدخلاً للغوِ المقال، وفضول القيل والقال، ولا منفذ فهمك مسلكاً لخواطر المحال، ولا صحيفة قلبك معرّضةً لجريان قلم الخيال من غير نظرٍ وتأمّل واستدلال، كلما هبّت رياح الإلهام نفضت أغصان الأذهان، فتساقطت ثمار الفوائد، على أراضي المسامع، ورياض القلوب والأفهام، سبحان من جعل اللسان، تَرْجُمان الجَنان، ومطلعاً لأنوار البيان، لإضاءة نواظر العقول وإنارة مصابيح الأفهام، سبحان من جعل خواصّ عباده تراجمة حكمته، تعبِّر عن أسرارها لخليقته، الألسنة تراجمة القلوب، يبدو منها ما يَرد عليها من واردات الغيوب، القلوب خزائن الحكمة، مفاتيحها الألسنة، لا تدعوا قلوبكم تمضغها أفواه الغفلات، وجوارحكم تمتهنها وتتلاعب بها أيدي الخطايا والزلاّت، فإنها عندكم أمانات ربكم فاحفظوا الأمانات، أما علمت أن الكون كلّه مَمْخَضةٌ أنت زُبدتها، ودوحة أنت ثمرها، وصدقة أنت درّتها، وصورة أنت معناها وحقيقتها، إذا كان ما يفر المرءُ منه نحوه يتقدّم، فسواءٌ عليه أقدم أم أحجم، أوهى عقده أم أبرم، أهمل أمره أم أحكم، نيرانُ الفناء له تُضرم، ولها يُلقى ويُطعم، إذا كان الهارب، في قبضة الطالب، فما الطمع الكاذب والحرص الغالب، لنيل المطالب، ودفع المعاطب، لوالبُ الأقضية بأحوالنا دائرة ومطايا الليالي بنا إلى أجداثنا سائرة، ورُماة الأيام بسِهام المكاره في أهداف قلوبنا راشفة ناشبة، ومُهَجُنا في مضابث ليوث الحوادث واقعة ناشبة، الغفلة سكرة الفكرة، والشرَه آفة العفة، والشهوة مرض الفطرة، والغضب موت العقل، والحِدّة ضغطة قبر الجهل، يا أُولي الفكر والعِبَر، تأمّلوا صقور القدر، كيف تختطف مع لمح البصر، حمائم الأرواح من أقفاص الصور، يا طبيب، رِفقاً بمرضى الهوى، يا مُعافى، عطفاً على المُبتلى، لطفاً بأرباب البلوى، يا حبيب، وَصْلاً فقد دنا الفناء، عِتْقاً من رِقّ الرقيب وطول العناء، يا طبيب، تلطّف بحَسم الداء، فقد استشرى وأعوز الصبر وعزَّ العزاء، شيئان عزيزان، غُربةٌ في الوطن، وخلوة في الزحمة، يا قُطّان دار الحِدثان، وسكّان منازل النوازل والأشجان، ومحلّ الذل والهوان، الرحيلَ الرحيلَ عن هذه الأوطان، فإنها مجامع الفجائع ومنابع الهموم والأحزان، العارفون بجلال المولى غرباء بين الورى، قد جفاهم الأهل والأحبّاء، العقلاء بين الجهّال غرباء كالجواهر بين الحصى، لطائف الملَكوت في عالم الجبروت غرباء، يعرفها الفهماء، وينكرها الأغبياء، يا أنيس الغرباء وجليسَهم في بلاد الأعداء، يسِّر إيابهم، وأحسِن مُنقلَبهم ومآبهم، الرضا سرور القلب بالمقدور، الذِّكر لَهجُ القلب بالمذكور، الفكر إدامة النظر في أسرار الأمور، طوبى لمن أناخ ناقة فاقته بكنَف مولاه، وألقى عن كاهل همّته أثقال همومه بدنياه، وآوى إلى كهف لطفه، وأنام عن رجاء غيره عين أمله، وطرْف رغبته، ما لذي الجناح المُلصَق سراح، ولا لذي القدم المقيَّد براح، القدم المقيَّد، والعضو المُشدَّد

<<  <  ج: ص:  >  >>