للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَلَبَّ داعي الهوى وَهْنَاً فلَبّاها ... قلبٌ أتاها ولولا ذِكرُها تاها

تَلَتْ علينا ثناياها سُطورَ هوىً ... لم نَنْسَها مُذْ وَعَيْناها وَعَيْناها

وعَرَّفْتنا معانيها التي بَهَرَتْ ... سُبْلَ الغرام فَهِمْنا إذ فَهِمْناها

عِفْتُ الأَثام وما تحت اللِّثامِ لها ... وما اسْتَبَحْتُ حِماها بل حُمَيّاها

يا طالبَ الحُبّ مَهْلاً إنّ مَطْلَبه ... يُنسي بأكثره اللاهي به اللهَ

ولا تَمَنَّ أُموراً غِبُّها عَطَبٌ ... فَرُبَّ نفسٍ مُناها في مَناياها

فَأَنْفَعُ العُدَد التقوى وأرْفَعُها ... لأَنْفُسٍ إن وَضَعْناها أَضَعْناها

وله بيتان كأنهما درّتان أو كوكبان دريّان وهما:

ما لِطَرْفي وما لذا السَّهر الدا ... ئم فيه وما لليلى وَلَيْلي

هَجرتْني وفاز بالوَصْل أقْوا ... مٌ فطُوبى لواصِليها وَوَيْلي

وأنشدني بعض الأصدقاء له من أول كلمة:

هل من سبيلٍ إلى ريق المُريقِ دَمي ... فليس يَشْفِي سِوى ذاك اللّمى ألَمي

والتمست من ولد الأجَلِّ العالم مؤيد الدين سديد الدولة ابن الأنباري كاتب الإنشاء في ديوان الخلافة المعظمة ما جمعه من إنشاء فضلاء الزَّمان في والده لأنقل منه ما يستظرفه العقل، ويستحسن في نَقده النَّقل، فاعتذر بأن المجموع في خَزْن الوالد، وبعث أَدْرُجاً مشتملة على شيء من الرسائل والقصائد، ومن جملتها كتابٌ بخطّ الحَصْكَفِيّ إليه نظماً ونثرا، كأنه الوَشيُ المُدَبَّج، والرَّوض المُبهِج، والدّيباج الخُسروانيّ رونقاً وجمالاً، والعَضْبُ الهُنْدُوانيّ فِرِنْداً وصِقالاً، يجمع دُرَّ النِّظام، ودَرَّ الغمام، ودراريّ الظَّلام، في سِلْك الكلام، وتُعرِبُ عربيَّتُه عن الغريزة، والرَّويَّة الرَّوِيّة، والذكاء الذَّكيّ، والبيان الوائليّ والخاطر الخطير، والفضل الكثير، والحِكَم المُحكَمة، والفصاحة المُفْحِمَة، بحروف للظَّرف ظُروف، ومَعانٍ لِلُّطْف مَغانٍ، وفُصولٍ للحسن فُصوص، وكلماتٍ عِذابٍ جَزْلَةٍ، كلِمّاتِ عَذارى جَثْلَةٍ، وألفاظٍ ساحرة، كألحاظٍ فاترة، فحملني الشَّعَفُ بآدابه، وحَداني الاكتياب بكتابه، على إثباته، قبل فَواته، ونسج فصوله وأبياته، فأوردْتُ جميع الرِّسالة، لما تحويه من المتانة والجزالة، ونسخة كتاب الحصكفيّ:

سلامٌ كأنفاس الرِّياضِ يَشوبُها ... قَسيمةُ عِطرٍ تحتَ قَطرٍ يَصونُها

يجُرُّ النَّسيمُ الرَّطْبُ فيها ذُيولَهُ ... جزاءً بما زُرَّتْ عليه جُيوبُها

ويَخطِرُ في وادي الخُزامَى مُضَمَّناً ... أزاهيرَ منه قد تضاعفَ طِيبُها

فبالعَرْفِ من دارِيْنَ عن نفَحاته ... حديثٌ إذا الأرواحُ نَمَّ هُبوبُها

على المجلس السّامي السَّديديّ إنَّني ... لَرَاوي مَزايا مَجده وخطيبُها

على مَجلسٍ تَهوى النُّفوسُ لِقاءَه ... وتهوي إليه صابِياتٍ قلوبُها

بحيث العُلى تُحْمَى وتُمْنَعُ واللُّهى ... تُذالُ وسوقُ الفضل تُجْلى ضُروبُها

مجلسُ يتبلَّجُ صباحُه، ويَتَّقِدُ مِصباحه، عن خِلالٍ يحكُمُ لها بالخَصْلِ النِّضال، وكمالٍ يشهد به الفضل والإفضال، وعَرْفٍ يفغم ناشق أثره ريّاه، ويروق رامق خيره محياه، إذ للآثار أرجٌ يُنشق، وللأخبار صورٌ تُرمق، ونشرٍ يهدي إشراقه إلى سواء السبيل، ويحكي مذاقه لذة السلسبيل، وبيت رسختْ في مباني الشرق آساسه، وشمخت بمعاني الكرم أغراسه، واستمجدت للإنجاب قرومه، وفات أمره مَن يرومه.

ما زال يَبْنِي خالِفٌ عن سالِفٍ ... منهم ويُعْرِبُ آخِرٌ عن أوّلِ

بَيتٌ يَجُرُّ على المَجَرَّةِ ذَيْلَه ... وندىً به عَزْلُ السِّماكِ الأعزلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>