للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفنونِ فضلٍ ترفّ أفنانها، وتؤذن بالفوز الدائم جناتها، مكتسبة من الأشباح القدسيّة علاءً، ومنتسبة إلى الأشخاص الإنسية ولاءً، مترفّعة عن مواطنة الأغفال، ومقارنة أهل السّفال، السائرين في الجيل البهيم، والشاربين شرب الهيم، تحيّة مُربٍّ في الثناء على معاليه، مُكبٍّ على استملاء النُّكت من أماليه. ولرُبّ مُشفق يُتّهم في الإشفاق، ونصيحٍ يرجع بالإخفاق، يستهول في المُفاتَحة مقامي، ويستبعد عندها مرامي، فيقول لشَدّ ما طوّح بك الزَّماع، وطرحتْك الأطماع:

تَحِنّ كأنّك ترجو مَزارا ... وتصبو، متى كنتَ للنجم جارا؟!

فقلتُ نعم في الحَشا غُلَّةٌ ... أُواري بها في فؤادي أُوارا

أُمَثِّلُ بالفِكر دارَ القَرارِ ... فأهجُرُ دون اللِّقاء القَرارا

أَأَوَّلُ عاشٍ بغى جَذْوَةً ... فآنَسَ من جانب الطُّور نارا

ولربّ ملومٍ ليس بالمُليم، وما أغفل السالم عن السليم، ولستُ بدعاً في اكتساب الفخار، وهو من أنفس الادّخار. وهبْني المُوفي على العهود، لمطالعة ذات السُّعود، إذ يصهره ناجر، وتلفحه الهواجر، يروقه السَّنا المقصور، فيثني لِيته ويصور، ويشوقه السناء الممدود، فيبعد النُّجعة ويرود:

إذا حَوَّل الظِّلُّ العَشِيَّ رَأَيْتَه ... حَنيفاً وفي وقتِ الضُّحى يَتَنَصَّرُ

ثم لا يقال له: راعِ جارك، والزم وِجارك، واذكر ظِيرك، وراسل نظيرك، وارجع إلى قيسك، وأبناء جنسك، وإذا لاعك لاعج البين، فلتكن لأم حنين، ما أنت وذات الإشراق، المرتقية عن كلّ راق.

والصُّمُّ في عُنصُرِ الإفساد حاسِدةٌ ... بصِحّةِ السَّمْع خُلْداً ما له بَصرُ

فيقول: ليس التدرُّع في قضاء الأوطار. مقصوراً على ذوي الأخطار، وقد يشترك في نسيم الهواء، وانتشار الأضواء، ضيوف الدار، وضيغم الخدار، ويتساوى في عموم اللطف، بمصابّ الدِّيم الوُطف، ذَبُّ الرِّياد، وخرق الواد، ولما أشرت بمد اليدين، إلى الخلوّ من همّ الدين، قلا من أحسن وأبيه، وأصاب الشاكلة فيه:

كأنَّ حِرْباءها في كلِّ هاجرةٍ ... ذو شَيْبَةٍ من شيوخ الهند مَصلوبُ

ولو وقفت برسمي، وقلبت حروف اسمي، لرأيت إيجابه باقياً، ولوجدته مع الحذف كافياً؛ لا تسمع قول الضلِّيل، عند وقت الغليل:

فقلتُ: يمينَ الله أبرحُ قاعِداً ... ولو قطعوا رَأْسِي لَدَيْكِ وأوْصالي

انظر كيف صرّح عن صدق هواه، واحتقر في جنبه تواه، إشارة تمهّد عذري لديك، وأتقرب بها إليك، وسأنظم بعد هذا الشّذر، وإن كان من الهذر، ثقةً بتلك الأخلاق الطاهرة، والخلائق الباهرة، فاسمع ما أقول، وقد تتباين العقول، فمن خوت من الفضل رباعه، جفت عن الشعر طباعه، والحر إن شاد، سمع الإنشاد، فإن أنخت وأصخت، حَلِيت، وزِنت اللِّيت، وإن أَبَيْت فالزم البيت:

حَتّامَ أَقْطَعُ لَيْلَ التِّمِّ بالأرَقِ ... مُسْتَنْهَضَ الفكر بين الأمنِ والفَرَقِ

أَبْغِي الفَخارَ وأخشى أنْ يُعَنِّفَني ... مَن ليس يعلم ما عندي من القلقِ

وسائلُ الفضلِ لا تُكْدي وسائِلُهُ ... إذا تلَطَّفَ للإشكالِ بالملَقِ

بحرٌ من العلم أستهدي جواهِرَهُ ... وكم شفى حالَ من أَشْفَى على الغرق

له فوائدٌ نَجْنِيهنّ أفئدةٌ ... لدى حدائق نَجْنِيهنَّ بالحدقِ

إنْ لم تكن تُورق الأقلامُ في يده ... فإنها تُسرِعُ الإثمارَ في الورَقِ

يَبوغُ ذو الفضل تَثْقِيفاً فإنْ تُلِيَتْ ... آياته ظلّ كاليَرْبوعِ في النَّفقِ

وإن تسَوَّق بالألفاظ ألحقهُ ... حُكْم الملوك ذَوي البُقْيا على السُّوَقِ

كم طاش سَهْمُ مُراميه وبات له ... طَيْشُ الفَراشة طارَتْ لَيْلَة السَّذَقِ

وكم مُدِلٍّ بحُضْرٍ رامَ غايَتَه ... فراح يَرْسِفُ كالمَقصور في الطَّلَقِ

مثلُ الذُّبالة إذ غُرَّتْ بمادحها ... فاستشرقت لتُباري غُرّةَ الفَلَق

<<  <  ج: ص:  >  >>