ومنها أنه كان في النوبة التي لا تقال عثرتها ولا يحترم الأديب فيها ولو أنه في سماء النظم والنثر نثرتها.
ومنها أنه كان قد هجا أميراً كبيراً فعد ذلك من كبائره، وجر عليه الردى في جرائره.
وعمل فيه تاج الدين الكندي أبو اليمن بعد صلبه:
عُمارة في الإِسلامِ أَبدى خِيانةً ... وبايع فيها بِيعَةً وصَليبا
وأَمسى شَريك الشِّرْك في بُغْضِ أَحمدٍ ... فأَصبحَ في حُبِّ الصَّليب صليبا
وكان خَبيثَ المُلتْقى، إِن عَجَمْتَه ... تَجِدْ منه عُوداً في النفِّاق صَلِيبا
سَيَلْقى غَداً ما كان يسعى لأجله ... ويُسْقى صَديداً في لظىً وصَليبا
فمن شعر عمارة ما أنشدنيه الأمير المفضل نجم الدين أبو محمد بن مصال ببعلبك في شهر رمضان سنة سبعين:
لو أَن قَلْبي يوم كاظمةٍ معي ... لَمَلكتهُ وكظَمتُ فيض الأَدْمُع
قلبٌ كفاك من الصَّبابة أَنَّه ... لبّى نِداءَ الظّاعنين وما دُعي
ما القلبُ أَوَّلَ غادرٍ فأَلومَهُ ... هي شِيمةُ الأَيّام قد خُلِقَت معي
ومن الظُّنون الفاسدات تَوَهُّمي ... بعد اليقين بقاءَه في أَضْلُعي
وأنشدني أيضاً لعمارة اليمني من قصيدة:
مَلِكٌ إِذا قابَلْتُ بِشْرَ جَبينه ... فارقْتُه والبِشْرُ فوق جَبيني
وإِذا لثمتُ يَمينَه وخرجتُ من ... إِبوانه لَثَمَ الملوكُ يميني
ووجدت له بعد موته قصائد يرثي بها أهل القصر فمن جملتها قصيدة أولها:
رَمَيْتَ يا دهرُ كَفَّ الْمجد بالشَّلَلِ ... وجِيدَه بعد طُول الْحَلْي بالعَطَلِ
وأنشدني الأمير العضد أبو الفوارس مرهف بن الأمير أسامة بن مرشد بن منقذ من قصيدة له في فخر الدين شمس الدولة تورانشاه بمصر عند توجهه إلى اليمن، قال: أنشدها وأنا حاضر
ما عَنْ هَوى الرَّشإِ العُذْرِيِّ إعذارُ ... لم يَبْقَ لي مُذْ أَقَرَّ الدَّمْعُ إِنكارُ
لي في القُدود وفي لَثْم الخُدود وفي ... ضَمِّ النُّهود لبُاناتٌ وأَوطارُ
هذا اختياري فوافِقْ إِنْ رضيتَ به ... أَوْ لا فدعني وما أَهْوى وأَختارُ
وخَلِّ عَذْلي ففي داري ودائرتي ... من المَها دُرَّةٌ قلبي لها دارُ
لاعَتْبُها من سَموم الْغيظ مُعتصَرٌ ... ولا عِتابي لها إِن هَبَّ إِعصارُ
ويقول فيها بعد المدح:
فابْخَلْ بِمَعْدِن هذا الدُّرِّ وهو فمي ... فالبخلُ بي كرمٌ مَحْضٌ وإِيثارُ
فكم لمجدك عندي من مُحَبَّرة ... سيّارةٍ، وحديثُ المجد سيّارُ
ومنها:
دَعْوى شُهودي عليها غيرُ غائبةٍ ... والقابضونَ أُلوفَ المال حُضّارُ
وأنشدني لعمارة أيضاً في الملك المعظم شمس الدولة:
ملك أُوَ حّدُ مجده ولو أنَّني ... ثَنَّيْتُه ثنَّيتُ في التوحيدِ
أُثْني عليه فلا أُردِّدُ مَدْحَه ... ونداه مجبول على التَّرْديد
عن كلِّ بيتٍ بيتُ مالٍ حاضرٌ ... إِذ كلّ بيت منه بيت قصيد
وأنشدني له أيضاً من قصيدة في صلاح الدين:
وما فِكْرةُ الإِنسان إِلاّ ذُبالةٌ ... تُضيءُ ولكن نورها بالْهَوى يَخْبو
وله في مصلوب بمصر يقال له طرخان كأنه وصف حاله وما إليه آل أمره من الصلب:
أَراد عُلُوَّ مَرْتَبةٍ وقَدْرٍ ... فأَصبح فوق جِذْعٍ وهو عالِ
ومَدَّ على صَلِيب الجِذْع منه ... يَميناً لا تَطُول إلى الشِّمالِ
ونَكَّس رأْسَه لِعتابِ قلْبٍ ... دعاه إِلى الْغَواية والضَّلالِ
وله في الصالح بن رزيك:
ولو لم يكنْ أَدْرى بما جَهِل الْوَرى ... من الفضل لم تَنْفُقُ عليه الفضائِلُ
لَئِنْ كان مِنّا قاب قَوْسٍ فبَيْننا ... فَراسِخُ من إِجلاله ومَراحِلُ
وقوله في هذا المعنى:
أَزال حِجابَه عَنّي وعَيْني ... تراهُ من الْجَلالة في حِجابِ
وقَرَّبَني تَفَضُّله ولكنْ ... بَعُدْت مَهابةً عند اقترابي