وله في قوم شهروا على الجمال ودخل بهم إلى البلد وهم أسراء:
تَسَنَّموا إِبلاً تَتْلو قلائِعهم ... يا عِزَّة السَّرْج ذُوقي ذِلَّة الْقَتَبِ
ومما أورده في مصنفه من شعره قوله في مبتدإ وصوله إلى مصر رسولاً من مكة في ربيع الأول سنة خمسين في زمان الفائز المصري:
الحمدُ لِلْعيس بعد الْعَزم والهِمَم ... حَمْداً يقوم بما أَوْلَتْ مِن النِّعَمِ
لا أَجْحَد الحقَّ عِندي للرِّكاب يدٌ ... تَمَنَّتِ الُّلجْم منها رُتبةَ الخُطُم
قَرَّبْنَ بُعدَ مَزارِ العِزِّ من نظري ... حتى رأَيتُ إِمام العصر مِنْ أَمَمِ
ورُحتُ من كعبة البَطْحاءِ والحَرَمِ ... وَفْداً إِلى كَعبةِ المعروف والكرم
فهل درى البيتُ أَنّي بعد فُرْقَتِه ... ما سِرْتُ من حَرمٍ إِلاّ إِلى حرم
ومنها:
أَرى مقاماً عظيم الشَّأن أَوْهَمني ... مِنْ يقْظتي أَنّها من جُملة الحُلُمِ
يومٌ من العمر لم يَخْطُر عَلى أَملي ... ولا تَرَقَّتْ إِليه رغبةُ الهِممِ
ما خوذ من قول أبي تمام، فلا ترقت إليه همة النوب
ليتَ الكواكب تدنو لي فأَنِظمَها ... عُقودَ مَدْحٍ فما أَرضَى لكم كَلِمي
ومن مدائحه في الصالح بن رزيك قوله من قصيدة:
دَعُوا كلَّ بَرْقٍ شِمْتُمُ غيرَ بارقٍ ... يلوحُ عَلَى الفِسُطْاط صادِقُ بِشْرِه
وزُورُوا المَقامَ الصّالحِيَّ فكلُّ من ... عَلَى الأَرض يُنسى ذِكْرُه عند ذكرهِ
ولا تجعلوا مقصودَكم طلبَ الغِنى ... فَتَجْنُوا عَلَى مَجْدِ المَقام وفَخْرهِ
ولكن سَلُوا منه العُلَى تظفروا بها ... فكلُّ امرىءٍ يُرجى على قَدْر قَدْرهِ
وقوله فيه:
إِن تسأَلا عمّا لقيتُ فإِننيّ ... لا مخفقٌ أَملي ولا كذّابُ
لم أَنتجع ثَمدَ النِّطاف ولم أَقف ... بِمَذانبٍ وقفتْ بها الأذناب
لكن وردتُ قَرارة العِزّ التي ... تَغدو عبيداً عندها الأَرباب
عَثَرَتْ به قَدَمُ الثَّناء فلالَعاً ... إِن لم تُقِلْها رِفعةٌ وثوابُ
وقوله مودعاً ليعود إلى مكة:
مَنْ لي بأَن تَردِ الحجاز وغيرَها ... أَخبارُ طِيبِ مَواردي ومَصادري
زارتْ بيَ الآمالُ أَكرمَ ساحةٍ ... فوق الثَّرى فغَدوْتُ أَكرم زائر
ووَفَدْتُ أَلتمِسُ الكرامةَ والغنِى ... فرَجَعتُ من كلٍ ّبحظٍ ّوافر
فكأَنَّ مكةَ قال صادِقُ فألها ... سافِرْ تَعُدْ نحوي بوجهٍ سافرِ
وقوله أيضاً:
لازَمْتُ خِدمتَه فأَدَّب خاطري ... فالمدحُ من إحسانه مَعْدودُ
فإِذا نَظَمْتُ له المديحَ فإِنّما ... أُهدي بِضاعتَه له وأُعيدُ
كم ضَمَّ فائدةَ النُّهَى ليَ واللُّهَى ... فغدوْتُ مّما قد أَفاد أُفيدُ
فَلأُشْعِرَنَّ بها مَشاعِرَ مَكّةٍ ... ولَتَسْمَعَنْ عَدَنٌ بها وزَبيدُ
صَدَرٌ حَمِدتُ به الوُرود وإِنّما ... ذُمَّت به عندي المَطايا الْقُودُ
وقوله، بعد رحيله، فيه وقد كتب على يده إلى صاحب عدن فأسقط عنه بها مالاً كثيراً فكتب إليه من عدن:
لقد غمرتْني مِنْ نَداه مِواهبٌ ... أضافتْ إِلى عِزِّ الغِنَى شَرَفَ القدْرِ
قصدتُ الْجنابَ الصّالحيَّ تفاؤلاً ... وقد فَسَدت حالي فأَصلحني دهري
ولم يَرْضَ لي معروفَه دون جاهه ... فَسَيَّر كُتْباً كالكتائب في أَمري
كأَنّ يدي في جانَبْي عَدَنٍ بها ... تَهُزُّ على الأَيام أَلويةَ النَّصر
وما فارقتنْي نعمةٌ صالحيَّةٌ ... كانّيَ من مِصْرٍ رحلتُ إِلى مصر
وعاد إلى مصر في سنة اثنتين وخمسين وقد سعي به إلى الصالح ابن رزيك في أمر فقال فيه من قصيدة يستعطفه:
فاعلمْ وأَنت بما أُريد مَقاله ... منّي ومن كلّ البريّة أَعلمُ