للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَئِنْ زاد طُولُ البُعدِ منكم تَمادِياً ... فقد زادتِ الأَشواقُ طول تمادي

تَلَذُّ لكم طَعْمَ الصَّبابة مُهجتي ... ويَنْعَمُ فيكم بالغَرام فُؤادي

فهل للَّيالي عَطْفَةٌ تَشْتفي بها ... حُشاشةُ مُلتاحٍ وَغُلَّةُ صادِ

وهل تسمحُ الأَيام بالقُرب إِنّه ... نِهايةُ سُؤْلي عندها ومُرادي

وقوله في مدح ياسر بن بلال:

سَفَر الزّمانُ بِواضحٍ من بِشْرِه ... وافترّ باسِمُ ثَغْره عن ثَغْرهِ

وأَضاءَ حتى خِلْتُ فَحمةَ لَيْلهِ ... طارتْ شَراراً في تَوَقُّد فَجْره

وتمايَلَتْ أُعطافُه وكأَنَّما ... عاطاه ساقي الرّاحِ ريقَةَ خَمْرِه

وتفاوحَت أَنفاسه فكأَنَّما ... فَضَّ اللَّطائمَ فيه جالِبُ عِطره

وازداد باهرُ حُسنه فكأَنَّما ... نَثَر الربيع عليه مُونِق زَهْره

واختال في حُلَل الجَمال تطاوُلاً ... بجَمال أَيام السَّعيد وعَصره

بالياسر المُغني بأَيسرِ جُوده ... والمُقْتني عِزَّ الزَّمان بأَسْره

مَنْ طالَتِ اليَمَنُ العِراقَ بفضلِه ... وسمَتْ على أَرض الشآم ومِصْره

فأَضاءَ بَدْراً في سَماءِ فَخِاره ... وصِفاتُه الحُسنى ثواقِبُ زُهره

أَوَ ما ترى الأَيّام كيف تَبَلَّجتْ ... مِن سَعْيه وتَعَطّرت من ذِكره

سَبَق الكِرام بها وأَبدى عَجْزَ مَن ... لم يَحْوها وأَبان واضِحَ عُذره

فكأَنَّما اختُصِرَت له طُرُقُ العُلى ... منها وضلّ عُداته في إِثرهِ

أَحيا معارف كلّ مَعروفٍ بها ... ومَحا معالِمَ مُنكرِيه ونُكره

وأَفاض منها في البَرِيَّة أَنْعُماً ... نَطَق الزَّمان بشُكْرها وبِشُكره

فالمدحُ مَوْقوفٌ على إِحسانه ... ما بينَ بارعِ نَظمهِ أَو نثرهِ

والعيشُ رَطْبٌ تحت وارِف ظِلِّه ... والوِرْد عَذْبٌ من مناهِلِ بِرّهِ

والسَّعْد مُنقادٌ له مُتَصرِّفٌ ... ما بين عالي نَهْيه أَو أَمرهٍ

والملك مبتَسِمُ الثّغور مُوَرَّد ال ... وَجَنات نَشوان يَميل بسُكرهِ

لمّا غدا تاجاً لَمْفِرَقِ عِزّه ال ... سّامي وعِقْداً في تَرائبِ نَحره

مُتَفرّداً دونَ الأَنام بِصَوْنه ... مُتَكفِّلاً دون الملوك بَنْصره

وهو الذي شَهِدت بباهِر فضِله ... شِيَمٌ سَمَتْ قَدْراً بسامي قدرهِ

ثَبْتُ المَواقف في لقاءِ عُداته ... ماضي العزائم في مَجاوِل فِكرهِ

مُتَصِّرفٌ عن طاعة المَلِكين في ... ما رامَهُ من نَفْعِه أَو ضَرّهِ

مُتناهِياً في النُّصْح مجبولاً عَلى ... إِخلاصه في سِرّه أَو جَهْرهِ

حَفِظَ الإِلهُ به النِّظامَ لِدَسْتِهِ ... وقضَى لسِرِّ بلادِه في سَتْرهِ

فكأَنّه اللَّيثُ الهَصورُ مُعَفِّراً ... لِجَبين مَن مُدَّتْ يَداه لِهَصْرهِ

لِمَ لا يَذُبّ الذُّعْرَ عنه وقد نَشا ... في حِجْره وغذاه فائضُ دَرّهِ

مُتَقَحِّماً فيه العَجاجَ مُضَرِّماً ... نارَ الهِياجِ بِبيضه وبِسُمْرهِ

يَسْتَنْبط المعَنْى الخَفِيَّ بلُطفه ... ويرَى المُغَيَّب من مِراءَةِ فكرهِ

ما كانتِ الدُّنيا تضيقُ بطالِبٍ ... لو أَنَّ واسِعَ صَدْرها من صدرهِ

وكأَنَّ راحَةَ كفِّه لعفُاتِه ... بحرٌ تَدَفَّق من تَدَفُّق بحرهِ

وكأَنَّما برقُ السّحائب لائحٌ ... من بِشْرِه وقِطارها من قَطْرهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>