للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَغْشَاكَ تائِقَةً تَزورُ وَتَنْثَني ... بِمُسَلِّمٍ مِنْ مُزْنِها وَمُوَدِّعِ

تَحْبُوكَ مَوْشِيَّ الرِّياضِ وَإنِّما ... يُهْدَي الرَّبيعِ إلى الرَّبيع المُمْرِعِ

لاَ يُطْمِعِ الأَعْداءَ يَوْمٌ سَرَّهُمْ ... إِنَّ الرَّدى في طَيِّ ذاكَ المَطْمَعِ

الثَّأْرُ مَضْمونٌ وَفي أَيْمَانِنَا ... بِيضٌ كَخاطِفَةِ الْبُروقِ اللُّمَّعِ

وَذَوابِلٌ تَهْوِي إلى ثُغَرِ الْعِدى ... تَوْقَ الْعِطاشِ إلى صَفاءِ المَشْرَعِ

قَدْ آنَ لِلدَّهْرِ المُضِلِّ سَبيلَهُ ... أَنْ يَسْتَقيمَ عَلى الطَّريقِ الْمَهْيَعِ

مُسْتَدْرِكاً غَلَطَ الليّالي فيكُمُ ... مُتَنَصِّلاً مِنْ جُرْمِها المُسْتَفْظَعِ

أَفَغَرَّكُمْ أَنَّ الزَّمانَ أَجَرَّكُمْ ... طِوَلاً بِبَغْيِكُمُ الوَخيمِ الْمَرْتَعِ

هَلّا وَمَجْدُ الدِّينِ قَدْ عَصَفْت بِكُمْ ... عَزَماتُهُ بالْغَوْرِ عَصْفَ الزَّعْزَعِ

وَغَداةَ عَلْعَالَ التَّي رَوَّتْكُمُ ... بالْبِيضِ مِنْ سَمُ الضِّرابٍ المُنْقَعِ

لا تَأْمَنُنَّ صَرِيمَةً عَضْبِيَّةً ... مِنْ أَنْ تُقيمَ الْحَقَّ عِنْدَ المَقْطَعِ

بِقَناً لِغَيْرِ رَداكُمُ لَمْ تَعْتَقَلْ ... وَظُبيً لِغَيْرِ بَوارِكُمْ لمْ تُطْبِع

يَا خَيْرَ مَنْ سُمِّي وَأَكْرَمَ مَنْ رُجي ... وَأَبَرَّ مَنْ نُودي وَأَشْرَفَ مَنْ دُعي

إِنّا وَإِنْ عَظُمَ الْمُصابُ فَلا الأَسى ... فيهِ الْعَصِيّ وَلا السُّلُوُّ بِطَيِّعِ

لَنَرى بَقاءَكَ نِعْمَةً مَحْقُوقَةً ... بالشُّكْرِ مَا سُقِيَ الأَنامُ وَما رُعِي

وَلَقَدْ عَلِمْتَ وَلْم تَكُنْ بِمُعَلَّمٍ ... أَنَّ الأَسى وَالْوَجْدَ لَيْسَ بِمُنْجِعِ

هَيْهَاتَ غَيْرُكَ مَنْ يَضيقُ بِحَادِثٍ ... وَسِوَاكَ مَنْ يَعْيا بِحَمْلِ المُضْلِعِ

دانَتْ لَكَ الدُّنْيَا كَأَحْسَنِ رَوْضَةٍ ... شُعِفَ النَّسيمُ بِنَشْرِها المُتَضَوِّعِ

لا زالَ رَبْعُ عُلاكَ غَيْرَ مُعَطَّلٍ ... أبَداً وَسِرْبُ حِمَاكَ غَيْرَ مُرَوَّعِ

مَا تاقَ ذُو شَجَنٍ إلى سَكَنٍ وَمَا ... وَجَدَ المُقيمُ عَلاَقةً بالْمُزْمِعِ

وقد أثبتت من مقطعاته لمعاً، ومن ملحه ملحاً، ومن طرفه طرفاً، وأوردتها بها شغفاً. والذي عنيت من شعره بإثباته منتخب قصائده، ومنتخل مقطعاته. فمن ذلك بيتان في مرثيةٍ، وهما:

يَا قَبْرُ مَا لِلْمَجْدِ عِنْدَكَ فاحْتَفِظْ ... بِمُهَنَّدٍ مَا كُنْتَ مِنْ أَغْمَادِهِ

تَشْتَاقُ مِنْهُ الْعَيْنُ مِثْلَ سَوادِها ... وَيَضُمُّ مِنْهُ الصَّدْرُ مِثْلَ فُؤادِهِ

قال مؤلف الكتاب: وتذكرت، عند إثبات هذين البيتين، بيتين نظمتهما بديهياً في أخي عثمان رحمه الله، وقد اتصل بي خبر موته عند العود من سفر الحج تغمد في محرم سنة تسعٍ وأربعين وخمسمائة، فأثبتهما:

سَقَى اللهُ إِنْساناً لِعَيْني دَفَنتُهُ ... عَلَى رَغْمِ أَنْفي جاِعلاً قَبْرَهُ قَلْبي

فَلا تَحْسِبَو أَنَّ التُّرابَ ضَريحُهُ ... فَمْنزِلُهُ بَيْنَ التَّرائِبِ لا التُّرْبِ

وما سمعت من المراثي أحسن من بيتين أوردهما الأديب الباخرزي في كتاب دمية القصر في شعراء أهل العصر:

بْرِغَمي أَنْ أُعاتِبَ فيكَ دَهْراً ... قَليلٌ فِكْرُهُ لِمُعَنِّفيهِ

وَأَنْ أَرْعى النُّجومَ وَلَسْتَ فِيها ... وَأَنْ أَطَأَ التُّرابَ وَأَنْتَ فيهِ

وقوله في الغزل في غلامٍ يستخرج ماء الورد، وقد احمرت وجنتاه من حرارة الوقد:

يَا مُوقِدَ النّارِ الذَّي لمْ يَأْلُ في اسْتِ ... خْراجِ ماءِ الوَرْدِ غايَةَ جَهْدِهِ

أَوَ مَا تَرى الْقَمَرَ المُحَرِّقَ ظالِماً ... قَلْبي بِنَارٍ مِنْ جَفَاهُ وَبُعْدِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>