للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولو وُصِلَتْ سودُ الليالي بشَعْره ... لما خَشِيَتْ من غير غُرَّتِهِ فجرا

تذكرتُ وَرْداً للمليحِ مُحَجَّباً ... يمدُّ عليه ظلُّ أهدابه سِتْرا

فصرتُ أُجازي القلبَ من أجلِ ذكره ... فيقتلني ذكرى وأقتُلُهُ صبرا

أُقبُّلُ ذاك الظلَّ أحسبه اللَّمَى ... والثم ذاك الزهرَ أحسبه الثغرا

وكم لائمٍ لي في الذي قد فعلته ... وكم قائلٍ دَعْهُ لعلَّ له عذرا

لأجلك يا من أوحش العينَ شخصه ... أَنِسْتُ لسُهْدٍ يمنع العينَ أن تَكْرَى

وقاسيتُ منك الغدرَ والهجرَ والقِلَى ... وأنفقتُ فيك الشِّعر والعمر والدهرا

وأَفلَسَ طرفي حين أَنفَقَ دَمعَهُ ... فأجرى فمي دمعاً يُسَمُّونَه شِعرا

وفارقتُ عِزّاً بالشآم لألتقي ... بمصرَ الذي من أجله فَضَّلوا مصرا

لئن طبتُ في مُسْتَنْزَهٍ لم تكن به ... فلا زلتُ أَلقى عندك الصدَّ والهَجْرا

ولو كنتُ في عَدْنٍ وكنتَ بغيرها ... وحوشيتَ آثرتُ الخروج إِلى بَرَّا

ولو كنتَ في بُصْرى وحبِّكَ لم أَقُلْ ... أيا بَصَري لا تنظرنَّ إلى بُصْرى

وهذا المصرع الأخير هو مبتدأ أبيات كان عملها عند عبوره على بصرى:

أيا بَصَري لا تنظرنّ إِلى بُصْرَى ... فإِني أَرى الأحبابَ في لبدة أَخْرَى

وما بلدةٌ لم يسكنوها ببلدةٍ ... ولو أنها بين السِّماكين والشِّعْرَى

وما القفرُ بالبيداءِ قفرٌ وإنما ... أَرى كلَّ دار لم يكونوا بها قفرا

تذكرتُ أحبابي وإِني لمؤمنٌ ... ولكن أَراني ليس تنفعني الذكرى

لقد ضرَّني البين المُشِتُّ وَمزَّني ... فيا لكَ بيْناً ما أَضرَّ وما أَضْرَى

أأهبطُ من مصرٍ وقدما قد اشتهى ... على الله أقوامٌ فقال اهبطوا مِصْرَا

وكم لي بها دينارُ وجهٍ تركتُهُ ... ورائي فعيني بعده تشتكي الفقرا

فوالله ما أشرى الشآمَ ومُلْكَهُ ... وغوْطَتَهُ الخضرا بشِبْرَيْنِ من شُبْرا

فإن عدتُ والأيامُ عُوجٌ رواجعٌ ... لقد أنشأتْني قبلَها النشأةَ الأخْرى

وقال:

يا عاطلَ الجيد إِلا من محاسِنِهِ ... عَطَّلْتُ فيكَ الحشا إلا مِن الحَزَن

في سلكِ جسميَ دُرُّ الدمع منتظمٌ ... فهل لجيدك في عِقْدٍ بلا ثمن

لا تخشَ مني فإني كالنسيمِ ضَناً ... وما النسيمُ بمخشيٍ على غُصُنِ

وقال:

ظبيٌ بمصْرَ نسيتُ مِنْه ... عناقَ غزلانِ العراقِ

ورشفتُ راحَ رُضَابِهِ ... لكنّه حلوُ المَذَاقِ

فإذا أتانيْ عاطلاً ... حَلَّتْهُ لي دُرَرُ المآقي

وِإذا تأَطَّرَ قَدُّهُ ... فأنا المثقِّفُ بالعناق

يا حسنَ أيامي به ... لو أن أيامي بَوَاقي

بالله يا قمرَ الورى ... مَن خصَّ خَصْرَكَ بالمحاق

وعلامَ يَغْلُظُ سِلْكُ خُلْقِكَ ... معْ حواشي الرقاق

كم يعذلون على انخلا ... عي في وصالك وانهِرَاقي

ودواءُ ما تصبو إليْهِ ... النفسُ تعجيلُ الطلاق

وقال:

كم لنا من خُلَسٍ في الغَلَسِ ... خُلَسٌ تَمَّتْ برغم الحَرَسِ

نلتُ فيها عَسَلاً من لَعَسٍ ... آه واشوقي لذاك اللعس

قد تنفسْتُ فهل عندكمُ ... أَنَّ نَفْسي خَرَجَتْ من نَفَسي

وقال في بستانه:

يا أيها البستانُ إِنْ حصَّلْتَ لي ... من صرتُ مخموراً بكاس مِكاسه

لأحلِّيَنَّكَ من بهاءِ جبينه ... ولأَخْلَعَنَّ عليك من أَنْفَاسه

وقال في الخمر:

عروسكمُ يا أيها الشَّرْبُ طالقٌ ... وإِن فَتَنَتْ من حسنها كلَّ مجتلِي

<<  <  ج: ص:  >  >>