للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتَحِمُّ أَنفاسي ولمَّا يُنْجِهَا ... دمعٌ هو البحرانُ بل بحرانِ

نسخت وفاتُكَ أدمعي فلكم جرت ... كالدرِّ وهي اليوم كالمرجان

لا بل هي العِقْيَانُ سالَ وإنما ... أَبْكي العزيزَ عليَّ بالعِقيان

قد سِلنَ ألواناً ليعلمَ أنني ... في حمل فرض الحزن غيرُ الواني

وافانيَ الناعي لكي ينعاكَ لي ... ومضى على أَدراجه ينعانِي

وغَزا وجيشُ الرزءِ من أَعوانه ... وبرزتُ والإِعْوَالُ من أعواني

لا أدَّعي أن النعيَّ أصمَّنِي ... فيمنْ أصمَّ وإنما أَصْمَاني

يا ثالثَ القمرين حُسْناً قد بكى ... حُزْناً لأجلِ مُصابك القمران

دينارُ وجهك حين أُهْبِطَ في الثرى ... كادت تفرُّ الشمس للميزان

وسيوفُ برقِ الجوِّ لما أُغمدت ... صفحاتُ ذاك الوجه في الأكفان

وَدَّتْ لو انغمدتْ ولكن تغتدي ... هامُ العدا بدلاً من الأجفان

يا تُرْبُ ما أنصفتَ نضرةَ غصنه ... أكذا صنيعُ الترب بالأغصان

غُصْنٌ فنونُ الطرفِ في أفنانه ... تعلو على الجاني وهنَّ دَوَاني

تستوقفُ الرائي معاني حسنه ... عجباً بها فكأَنهنَّ مغاني

كم مادَ من سكرِ الشباب فهل دَرَى ... أَنَّا نميد بسَكْرَةِ الأشجان

قد كان يرفل في ثيابِ شبيبةٍ ... أردانُها طَهُرَتْ من الأدْرَانِ

جمعت خلائقُهُ له وصفاتُهُ ... حِلْمَ الكهول ويَقْظَةَ الشبّان

ومنها:

أصبحتُ مثلَكَ مُفْرَداً متغرباً ... مُقصىً عن الأحبابِ والأوطان

والفرقُ أنك في الجِنَانِ وأنني ... من أجلِ فقدك صرتُ في النيران

قد كنت أحملُ همَّ بينٍ واحدٍ ... فأَتت وَفَاتُك لي ببينٍ ثان

كيف اصطباري من فراقٍ واحدٍ ... وقد افتضحتُ من الفراقِ الثاني

وتسوءُ فرقةُ من تحبُّ ولا يُرَى ... شيءٌ يسوءُ كفرقة الأقران

صبري وموتُكَ في حشاي كلاهما ... مُرَّانِ مثلُ أسنَّةِ المُرَّان

أوسعتُ فيك الدهر عتباً مؤلماً ... فأجابني بالبَهْتِ والبُهْتَان

قلبي يحاسِبُهُ على إجرامِهِ ... ويَعُدُّها بأَنامل الخفَقَان

غيري هو السالي وإني قائلٌ ... ما أقبحَ السلوان بالإخوان

فلئن سلوْتك ناسياً لا قاصداً ... فالذنب للنسيانِ لا السلوان

ومنها:

يأيها المولى السديدُ ومَنْ غدا ... أَوْلى الورى بالصبرِ والإيمان

صبراً جميلاً يَقْتدي قلبي به ... فهو المُعَنَّى بالهموم العاني

واللهُ يعلمُ ما حوته جوانحي ... مما دهاك وما أَجَنَّ جناني

ولئن غدا مني الرثاءُ مؤخراً ... من أجلِ شغلِ القلب والأحزان

فلقد رَثَتْ عيني بنظمِ مدامعي ... وأرى الدموعَ مراثيَ الأجفان

لم يرْثه مني لسانٌ واحدٌ ... لكن رَثَتْ بمدامعي عينان

خدي كطرسي والمدامعُ فوقه ... شِعْري وإنساني كمثل لساني

ولقد علمتُ قصورَ ما قد قُلْتُهُ ... فأردت أُودِعُهُ حَشَا كتماني

ولا نذكر البيت الأخير لأن فيه نقص دين وضعف إيمان وقلة توفيق، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

وقال مستوحشاً من صديق جرت عادته بالاجتماع معه في متنزهٍ له:

جلستُ ببستانِ الجليسِ ودارِهِ ... فهيَّجَ لي ممن تناسيتُهُ ذِكْرا

وسُقِّيتُ شمسَ الكاسِ ساعةَ ذكره ... فلم تستطع في ليل همِّيَ من مَسْرَى

فيا ساقيَ الكاسِ التي قد شربتُها ... رويدكَ إنّ القلب من أُمَّةٍ أُخرى

<<  <  ج: ص:  >  >>