هو الحسامُ الذي يسمو بحاملهِ ... زهواً فيفتكُ بالأسياف والدول
إذا بدا عارياً من غِمدِهِ خَلَعَتْ ... غِمْدَ الدماءِ عليهِ هامةُ البطل
وإن تقلَّدَ بحراً من أَناملهِ ... رأَيتَ كيف اقترانُ الرزقِ بالأجل
من السيوفِ التي لاحتْ بوارقُها ... في أَنْمُلٍ هي سُحْبُ العارضِ الهَطِل
فجاءنا لبني رُزِّيكَ مُعْجِزُها ... بآيةٍ لم تكن في الأعْصُرِ الأُوَلِ
تبدو شموساً همُ أقمارُها وتَرَى ... شُهْبَ القَنَا في سماءِ النقع لم تَفِل
قد غايَرَت فيهمُ السمرَ الرقاقَ رقا ... قُ البيض خلفَ سُجوف النقع في الكلَل
إن عانقوا هذه في يوم معركةٍ ... لاحتْ لهم بتلظّي تلك كالشُّعَل
وقد لقوا كلَّ من غاروا بمُشْبِهِه ... حتى لقوا النُّجْلَ عند العَرْضِ بالنُّجُلِ
وضارب الرومَ رومٌ من سيوفهمُ ... وطاعَنَ العُرْبَ أَعْرابٌ من الأَسَلِ
وهزَّهم لصهيل الخيل تحت صهيل ... البيضِ ما هزَّ أعطاف القَنَا الخَطِل
فالدمُ خَمْرٌ وأصواتُ الجيادِ لهمْ ... أصوات مَعْبَد في الأَهزاج والرَّمَل
والخيلُ قد أَطرَبَتْها مثلما طربوا ... أفعالُهمْ، فهي تمشي مِشْيَةَ الثَّمِل
من كل أجردَ مختالٍ بفارسِهِ ... إلى الطِّعان جريحِ الصَّدْرِ والكَفَل
وكلِّ سَلْهَبَةٍ للريح نِسْبتُها ... لكنها لو بَغَتْها الريح لم تُنَل
أَفارسَ المسلمين اسمعْ فلا سَمِعَتْ ... عِدَاك غيرَ صليل البيض في القُلَل
مقالَ ناءٍ غريبِ الدار قد عدم ال ... أَنصارَ لولاك لم يَنْطِق ولم يَقُل
يشكو مصائبَ أَيامٍ قد اتسعتْ ... فضاقَ منها عليهِ أوسعُ السُّبُل
يرجوكَ في دفعها بعد الإله وقد ... يُرْجَى الجليلُ لدفع الحادث الجَلَل
وكيفَ أَلقى من الأيام مَرْزِئَةً ... جَلَّتْ ولي من بني رزِّيك كلُّ وَلي
لولاهمُ كنتُ أَفري الحادثات، إذا ... نابت، بنهضة ماضي العزم مُرْتجل
وكيف أخلع ثوبَ الذلِّ حيث كَفِيلُ ... الحرِّ بالعزِّ وَخْدُ الأيْنُقِ الذُّلُلِ
فما تخافُ الردى نفسي وكم رضيَتْ ... بالعجز خوفَ الردى نفسٌ فلم تُبَل
إِني امرؤٌ قد قتلتُ الدهر معرفةً ... فما أَبيتُ على يأْسٍ ولا أَمَل
إِن يُرْوِ ماءُ الصِّبا عودي فقد عَجَمَتْ ... مني طَروقُ الليالي عُودَ مُكْتَهِل
تجاوزتْ بي مَدَى الأشياخِ تجربتي ... قِدْماً وما جاوزتْ بي سنَّ مُقْتَبِل
وأولُ العمر خيرٌ من أواخره ... وأين ضَوْءُ الضحى من ظلمة الأُصُل
دوني الذي ظنَّ أني دونَه فلهُ ... تعاظمٌ لينال المجد بالحِيَلِ
والبدرُ تَعْظم في الأبصار صورتهُ ... ظنّاً ويَصْغُرُ في الأفهام عَنْ زُحَلِ
ما ضرَّ شِعْرِيَ أني ما سَبَقْتُ إلى ... أَجابَ دمعي وما الداعي سوى طلل
فإن مدحي لسيف الدّين تاهَ بهِ ... زَهْواً على مَدْحِ سَيْف الدّولة البَطَل
للشعراء المهذبين المذهبين امذهب، على هذا الوزن المعجز المعجب، قصائد، فرائد، قلائد. وهذا مهذب مذهبهم إذ هو وحيد العصر، مجيد النظم والنثر.
واستعرت من الأمير عز الدين حسام جزءاً فيه قصيدة بخط المهذب بن الزبير مدح بها الصالح بن رزيك سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة ويصف أسطوله ونصرته في البحر على الروم:
أَعَلِمتَ حين تجاورَ الحيانِ ... أَنَّ القلوبَ مواقدُ النيران
وعرفْتَ أَنَّ صدورنا قد أَصبحتْ ... في القومِ وهْيَ مَرابضُ الغزْلان