للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكيف أحوزِ خّلاً من خَيال ... وأطمَعُ في شراب من سَراب؟

سقى الله العِراقَ وساكنيهِ ... بَواكرَ مُسْبِلٍ داني الرَّبابِ

وخصَّ بذاك ربعاً، حلَّ منه ... محلَّ الخالِ من خدّ الكَعابِ

به خلّفت قلبي يومَ زُمَّتْ ... على عجل، لفُرقته، رِكابي

فإنْ ظَفِر الزَّمان، بحدّ ظُفْرٍ، ... بقلبي، أو بنابٍ غيرِ نابي،

فكم قد جاء بالعُتْبَى فأغنى ... وأغنى عن مطاوَلة العتاب

إلامَ أبيِت في طمع ويأس، ... وأُصبح بين رَوْح واكتئاب؟

وأقتحم الظَّلامَ بلا دليل، ... وأعتسف البلادَ بلا صِحاب؟

ولي من جود عون الدّين عونٌ ... به يَغْنَى المشيب عن الشَّباب

وطَرْفُ رجايَ، عنه غيرُ مُغْضِ ... وطِرْفُ نَداه عنّي غيرُ كابِ

أقول لمشتكي الأزمان: صَمْتاً، ... فبحرُ نَوالِه طامي العُبابِ

إذا ما البرقُ أخلفَ شائميه ... وضَنَّ بقَطره جَوْنُ السَّحابِ

وأمحلتِ البلاد، وعُدَّ ظُلماً ... على ساري الدُّجَى ظُلْمُ الوِطابِ

وعطِّلت القِداحُ، فعُدْنَ غُفْلاً ... وعُرِّيتِ الأكفّ من الرِّبابِ

وعُطِّل موقد النّيران ليلاً، ... وبات بحرِّ ألْسِنةِ الكِلابِ

وعزَّ الفَصدُ من عَجَف، وأمسى ... قِرى الأضياف أكباد الضِبّاب،

فسمعك للنِّداء إلى طُهاةتُذيل نفائسَ الرُّدُح الرِّحابِ

لَدى ملكٍ منيعِ الجارِ، حامي ال ... ذِمّارِ، معظَّمٍ، سامي القِبابِ

ألا يا عاقرَ البِدَرِ العوالي ... إذا ضَنَّ الجوادُ بعَقْر نابِ،

بدأتَ مؤمّليك بلا سؤال، ... وقابلتَ الوفود بلا حِجابِ.

فما عَذْراءُ من جُون الغَوادي ... تَهادَى في سكون واضطرابِ،

تكاد تَسِحُّ وجهَ الأرض، زحفاً ... عليها، في دُنُوّ واقترابِ

إذا سحَّت مدامعها بكاءً ... تبسَّمَ ضاحكاً زَهَرُ الهِضابِ

كأنَّ على الثَّرَى منها جُماناً ... تنظمه الرُّبا نظمَ السِّخابِ،

بِأغزرَ من نَداك إذا توالى ... فأغنى وافِديك عن الطِّلابِ.

وما قاضٍ على المُهَجات ماضٍ ... بأرواح الكُماة إلى ذَهابِ

إذا ما قابلته الشَّمس، أجرت ... بِمَتْنَيْهِ شعاعاً من لُعابِ

تقاسم خلفَه ماءٌ ونار ... أذيبا من صفاء والْتهابِ،

بأمضى من يَراعك يومَ رَوْعتُفَلُّ به الكتائب بالكِتابِ.

وما هُصَر أبو شِبلين ضارٍ ... يصول بِمْخَلب وبحدّ نابِ،

له نَحْضُ الفريسةِ حينَ تبدو ... وأعظُمها لنَسْر أو عُقابِ

ترى جُثَثَ الكُماة لديه صَرْعَى ... معفَّرةَ الجِباه على التُّرابِ

إذا ما غابَ عن غابٍ، أحالت ... عليه من الطَّوَى طُلْسُ الذِّئابِ

فتُصبحُ حوله الأشلاءُ نَهْباً ... مقسَّمة بأكناف الشِّعابِ،

بأثبتَ منك جأشاً في مَقامينوب الرّأي فيه عن الضِّراب.

وما عانِيّةٌ يَهْدِي سَناها ... لَدى الظّلماء ضُلالَ الرِّكاب،

تَنَفَّسُ عن نسيم من عبير، ... وتبسِم عن ثغور من حَبابِ

كأنَّ كؤوسها ماء جَمادٌ ... يَشِّف سَناه عن ذهب مُذابِ،

بأحسنَ منك بِشراً وابتساماً، وأعذبَ من خلائقك العِذابِ.

فكيف ينال شَأْوَك ذو فَخار؟ ... وأين ذُرا العِقاب من العُقاب؟

فَضَلْتَ بني الزَّمان عُلىً ومجداً ... كما فضَلَ الثَّواب على العِقابِ

وزيرٌ، دوَّخَ الأملاك بأساً ... فقِيدَتْ بينَ طوعٍ واغتصابِ

وبَزَّ عزيزهَا، فعَنَتْ إليه، ... ولم تطمَحْ لفَوْت من طِلابِ

<<  <  ج: ص:  >  >>