للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كتابي إلى فلان، أبان الله نقشة نفسه بكل معلوم، وأبان عن عين عقله كل موهوم، وشحا لسوغ أعماله فم القبول ومحا من لوح خياله رقم المعلول، وقد مسني من خبل الشوق إليه مس، وغشيني للبس ثوب الوحشة لبس، مستصرخاً بالتداني من خطب الفراق ومستروحاً إلى الأماني من كرب الأشواق، لا أجد نشراً من طي الأسف، ولا نشرةً من طيف اللهف. لكن أترجى بعد سيره مسار كتاب منه صادر، يتضمن سائر أخبار السائر، لا تعلل بورود وروده، وأعل من ورد موروده، فيبل غليلي، ويبل عليلي.

وكنت بقربه برهةً من الدهر، في نزهة من الزهر، حتى غار القدر فأغار، ونكث من الحبل ما أغار، ونقد علي المغير المنجد، وبكى علي الغائر المنجد. وليس بناجٍ من علقته ضوابثه، وطرقته حوادثه، وعين التجربة تستشف كدره في الصفاء، وتستشرف إلى عذره حين الوفاء. والآن، فسبيله السكون حتى تركد أكداره، والخمول حتى يخمد شراره، حارساً لطرة دينه من الانحراف، حافظاً لقطرة علمه من الجفاف.

ومن أخرى إليه: وصل كتاب الوالد، حرس الله واديه، وأخرس أعاديه، وجعل نبراس ذكره عالي المنار، وأساس قدره راسي القرار، وآيات محامده متلوة السور، وغايات مقاصده مجلوة الصور، بعد أن كان عقاب العقاب يطير إليه جناحه، وارتقاب الكتاب يطور به جناحه، فأصبح سفور صبحه، سفير صلحه، وراح نسيم راحه، ما حي عظيم اجتراحه، وأبدى من العذر فائح مسكة سحيقه، وأدنى من الصبر نازح مسكة سحيقه.

وقد كان لظلالي متفيأً، ولأطلالي متبوئاً، مستقبلاً مصلى الأتقياء، ومستقبلاً مصلي العلماء، راقياً لواعج الإرادة، وراقياً معارج السعادة. أذكى مقادح إشعاله، لتبدو ذكاء ذكائه، ووالى مصالح أشغاله، ليعلو لواء لألائه. لكن، صل للقدر حسامٌ صل صله، وعقد للحذر حزامٌ جل حله، ونكث مفتول قطيع سيره، فبعث مقتول فظيع سيره، ليشتد بالمنع همه، ويستد في القطع عزمه. شعر: " وحب شيئاً إلى الإنسان ما منعا ". فلا تيأس من قرب عوده، وإن يبس رطيب عوده. فالدهر يجيء ويمر، والعيش يحلو ويمر، وحبل كل مرء ينكث ويمر. ووصيتي إليه إذكاء دراري علمه متى انطفت، وإرساء جواري عزمه وإن طفت، حتى تسكت هواتف القضاء، وتسكن عواصف الابتلاء، ويطيب جو الزمان، ويصوب نوء الإمكان، ويعود موسى عزمه، إلى ثدي أمه. فإذا قوي عظمه، وروي كرمه، أصبح نبي قومه، إلى ثدي أمه. فإذا قوي عظمه، وروي كرمه، أصبح نبي قومه، وأيقظ كلاً من نومه، وأمسى إلى الإيمان بالغيب داعياً، ولغنم شعيب الغيب راعياً. فاعرف هذه الأمور، وتفهم منطق الطيور.

ومن أخرى إليه: كتابي إلى فلان، والشوق قد استحوذ على الجلد، واستنفد قوى الجلد، طبع الله في شمع سمعه، نقوش فصوص صنعه، ورفع عن قليب قلبه حجاب تراب طبعه، وناجاه بأسرار كنه ملكوته الصادعة النور، وأراه أسرار وجه ملكه الساطعة الظهور.

ووصلني كتابه فكان لنور الأحداق، كنور الحداق، وفي ناظر العين، كناضر العين، وشفى قلباً أشفى على التلف تلافيه، ورقى سليماً للهف بما تلافيه، من طيب أخباره السارة الأوصاف، الدارة الأخلاف، واحتبائه بثوب العافية والعفاف، وارتوائه من سلاف أكرم الأسلاف. فإن لقح ناجم طلعه انعقد أرطاباً، وإن وضح طالع نجمه اتقد شهاباً.

ومن أخرى إلى بعض العارفين: كتابي إلى معين الدين، ومعين طريق السالكين، وعلامة دهره، وعلامة سعادة أهل عصره، جعله الله لقلبه واجداً، وعلى نفسه واجداً، أشرح فيه ما أطوي من مصافاته وإيثاره، وأنشر من صفاته وآثاره، لإجرائنا جواد الإرادة، في جواد السعادة، واهتبالنا غرة دهره الهجود، واقتبالنا غرة فجر الوجود، وهو الأمر تدر أخلافه، ويدرأ خلافه، وإن كان قبلي في قبلة السبق مصلياً، وكنت على أثره مصلياً، وأصبح علم علمه في الناس منشوراً، وأمسى علم علمي مزوراً عنه لا مزوراً، والله المرشد إلى صوب الصواب، والمسعد بثوب الثواب، لأصد عن صدى الحق صدأه، ولأحد عن بلوغ أمله فيه ملأه، والسلام.

ومن أخرى تعزية:

<<  <  ج: ص:  >  >>