للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عوضه الله على عظيم مصابه، عميم ثوابه. إن لكل أجل كتاباً، ولكل عمل ثواباً، والإنسان رهن أيامٍ تطرقه نوائبها، وهدف أحكامٍ ترشقه صوائبها، وتزعجه عن استقراره، وتنهجه سبيل قراره، ليستعد لتزود معاده، ويستجد مركباً من أعواده، وهو كطير حبس في قفص بدنه، وبوعد عن وطنه، ونثر له حسنات تقواه، وأرسل من خشبات تقواه، ليرفع طائراً، أو يرجع إلى معاده آخراً. فإن أسف على جنة هواه مثل حائراً، أو أخلد إلى أرض دنياه عدل جائراً، وصائد الشيطان قد نثر أنواع حبوب الأطماع ليوثقه بحبله، وستر أشراك ضروب الإشراك ليوبقه بختله. فإن تم صيده، فهو صيده. وإن تذكر قصده، وتبصر رشده، ونزع عن غوايته، ونزع إلى هدايته، استبصر بغروره، واستنصر بنوره، واستقل ما حوى فيه، واستقل بخوافيه، ومالك رقه لشدة رأفته، وفرط مخافته، أرسل مذكرات النوائب، ومنفرات المصائب، يناديه بلسان الحال، لا ببيان المقال: ما يتهيأ لك ها هنا عش، ولا يتهنأ لك عيش، فعد إلى وطنك الوطي، وسيدك الحفي. وإياك أن يكون حاصل حوصلتك، حب حب عاجلتك، فيثقلك عن النهوض، وينقلك إلى الحضيض. وهذه أمثال لأمثالنا ضربت، واللبيب من تنبه واعتبر، وسلك سبيل من عبر، وتزود التقوى، واستعد للمثوى. فالدنيا قنطرة للجائز، ومقطرة للعاجز، ومركب للعاقل، وملعب للغافل.

وحين وصلني خبر فقيدتك المتردية بالخفر، المتردية في الحفر، أقض مضجعي، وفض مدمعي. ولولا أني في عقابيل نوائب آلمت حين ألمت، وارتهنت ذمة الصبر وما أذمت، لكنت أنا الوافد إليك، والوارد عوض كتابي عليك.

ومن أخرى: كتابي إلى فلان، أدام الله في معارج السيادة ارتقاءه، وأدام في معارج السعادة بقاءه، عن سلامةٍ حالية الجيد، جالبة المزيد، متهدلة الأغصان، معتدلة الزمان، لما نتداوله من تلاوة ذكره، ونتناوله من حلاوة شكره، ولما لاح لواء ولائه، وفاح نشر الثناء من أثنائه، فعم الداني والقاصي، وعم الدين والعاصي.

ومن أخرى: وصل كتاب فلان، أطال الله له البقاء، طول يده بالعطاء، وأدام له القدرة، وبه القدوة، وإليه انصراف الآمال، وعليه اعتكاف الإقبال، ما أشرق طرس بذكره، ونطق جرس بشكره، وجلا منىً، وحلا جنىً. وفضضته عن لآليء در، ولألاء بدر، وسلاف خمر، وائتلاف شذر. له في كل فصلٍ بديع، فصل ربيع، يفوح قداحه، ويلوح مصباحه، وتجول قداحه، وتجود أقداحه. زاهر البهار، باهر الأزهار. قد اشتمل سواد الخط فيه، على بياض الحظ لمعتفيه، فروى دائم عهوده، ديم العهاد، وأروى حائم موروده، العذب البراد، وأبقى موارده عذاباً، وألفى معانده عذاباً، ما سمج وصف شحيح، وسجم كف سحيح.

ووصل البر الذي أولاه ووالاه، والإنعام الذي ابتدأه وثناه، فتلقيته بيد الفائز بقمره، العاجز عن شكره. وكنت أعتقده ديناً مقترضاً، حتى جرى سيله فطم على القري، وخرج على مقابلته بالذكر القري، وإنما الوهاد إذا رضعت أخلاف الجود، بعد إخلاف الجود، ورصعت بلآلئ القطر منها أقطار الجيد، تفتقت أزهارها عن الأكمام، وأشرقت أقمارها من الظلام، فاستفرغت طاقات الدهر، طاقات الشكر، وكان ظهور أثر الندى، حقيقة شكر الندى.

ومن أخرى: وصل كتاب فلان، وقفه الله على منهاج ثوابه، ووفقه لاستخراج كتابه، فكان كالزهر، أضحكه بكاء الغمام، أو الدر، أمسكه بقاء النظام، أو الذهب ذهب غشه صفاءً، فأعرب عن النسب انتماءً، أو سواد الحرق، على الفضة الحرق. لا، بل بنفسج غض، على الجيد الغض، فسرق اللحظ من الخط الحظ، وسبق إلى القلب موشي اللفظ، لأنه طلع قمرياً، وسجع قمرياً، فأذهب حراً، وجلب حراً.

إن الدنيا عاريةٌ في نظر البصير، عارية في يد الخبير. فما لاق فيها لاقٍ لها، وما راق لديها إلا راقٍ عليها. ومن كان فيها على أوفاز، علا أو فاز.

ومن أخرى: وصل كتاب فلان، ملأه الله تعالى بملاءة عمره، وأملاه في إضاءة فجره، ودرأ عنه شر ما ذرأ، وأبر بقدره على من برأ، فراق ما حاكه من الحبر، في البصر والسمع، وأراق ما حكاه من الخبر، مصون الدمع.

ومن أخرى:

<<  <  ج: ص:  >  >>