وله إلى إقبال الدولة برجوع أحد معاقله إليه من رسالة: جراحات الأيام هدر، وجنايتها قدر، وليس للمرء حيلة وإنما هي ألطاف لله جميلة، تستنزل الأعصم من هضابه، وتأخذ المعتر بأثوابه، أحمده عوداً وبدءاً بالنعمة التي ألبسك سربالها، والفتنة التي أطفأ عنك اشتعالها، والرئاسة التي حمى فيها حماك، فرد خاتمها بيمناك، وقد تناولته للباطل يد خشناء، فاستقالته يدك الحسناء، فأقر الله عز وجل الحال في نصابها، وأبرزها في كمالها، تتراءى بين أترابها، ووضعت الحرب أوزارها وأخفت الأسود أخياسها وزؤارها ومن كانت مذاهبه كمذاهبك وجوانبه للسلامة كجوانبك، أعطته القلوب أسرارها، وأعلقته المعاقل أسوارها، وانجلت عنه الظلماء، وأكرم قرضه والجزاء، فليهنئك الإياب والغنيمة، وهما المنة العظيمة، وليكن لها من نفسك مكان، ومن شكرك الله بالموهبة إعلان، وأما حظي منها فحظ مسلوب أمكنه سلبه، وذي مشيب عاوده شبابه وطربه، ولمكا اقترنا لي، وكانا معظم آمالي، وعلمت أن بهما زوال الخلاف، وتواطيء الأكناف، وأن بالصدر تثلج الصدور وينتهج السرور، بادرت إلى توفية الحق لك، وتعرف الحال بك، مشيعا بالدعاء في مزيدك، ضارعاً في الإدامة لتأييدك، فإن الوقت إساءة وأنت إحسانه، والخير عين وأنت إنسانه، فإن مننت بما سألته، أفضلت وأحسنت إن شاء الله.
وله إلى صاحب ميورقة ناصر الدولة: أطال الله بقاء الأمير منيفا حرمه، رفيعا علمه، إن الذي بينته الدنيا من مناقبك العليا فتجلت منه أقاصيها، وتكللت به نواصيها، لجاذب نحوك أحرارها، وجالب إلى ظلك أعيانها، وأخبارها، بقلوب تملكها هواها، وحركها نهاها، وهذا الوزير الكاتب أبو جعفر ابن البني عبدك الآمل صممت به إلى ذراك همم عوال، كأنها للرماح عوال يحملها السفين والعزم الناهد المكين، وريح جد ما تلين، إلى حلي من البيان يتقلدها، يكاد السحر يحسدها، وخلائق محمودة كأنها الخلوق، تنفح مسكا وتشوق، وإن للوشي ماخط، وربما أزرى به إذا حط، والخبر يغنيه عن الخبر، ويعلمه بالعين لا بالأثر لازلت كلفا بالإحسان، منصفا من الزمان، إن شاء الله تعالى.
وله إليه: أطال الله بقاء الأمير وأيده، وأعلى يده، الشفاعات على مقدار ملتحفيها، ولكل عندك منزلة توافيها، ولما تأمل ذو الوزارتين.. أبو الحسن العامري مالك في الناس، من الطول والإيناس، بما جبلت عليه من شرف السجية، والهمم السنية، حتى مالت إليك الأهواء ورفع لك بالحمد اللواء، قصد ذراك، واعتقد اليمن في أن يراك، فملأ من زهر العلى أجفانا، ومن نهر الندى جفانا، ويستبدل من صد الزمان إقبالا، ومن تهاون الأيام اهتبالا، وله قدم الوجاهة، وقدم النباهة، ويدل عليه عيانه، كما يدل على الجواد عنانه. وأرجو أن ينال بك الآمال غضة، والأيادي منك مبيضة، فأقوم عنه على منبر الثناء خطيبا، وأوقد على جمر الآلاء عودا رطيبا، لازلت للقاصدين ملاذا، وللراغبين معاذا، إن شاء الله تعالى.
وكتب إلى الوزير ابن عبد العزيز حين نجا من اعتقاله بسعيه، ونجا إلى بلنسية، راجيا لاجئا إلى فيئه: كتابي وقد طفل العشي، وسال بنا إليك المطي، لها من ذكراك حاد، ومن لقياك هاد، وسنوافيك المساء، فنغفر للدهر ما قد أساء، ونرد ساحة الأمن، ونشكر عظيم ذلك المن. فهذه النفس أنت مقيلها، وفي برد ظلك يكون مقيلها، فلله مجدك وما تأتيه، لازلت للوفاء تحميه، فدانت لك الدنيا، ودامت لك الأخرى العليا. إن شاء الله تعالى.
وكتب إليه: من ذا يضاهيك، وإلى النجم مراميك، فثناؤك لا يدرك، وشعبك لا يسلك، أقسم لأعقدن على علاك من الثناء إكليلا، يرد اللحظ من سناه كليلا، ولأطوفنه شرق البلاد وغربها، ولأحملنه عجم الرجال وعربها، وكيف لا، وقد نصرتني نصرا مؤزرا، وصرفت عني الصيم عفيرا معفرا، وألبستني البأو بردا مسهما، وأوليتني البر متمما.