للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وصفه القيسي بعزة العظماء، وهزة الكرماء، والشغف بالجود، الكلف بالوفود، ونفاق بضائع البدائع في زمانه، واشراق مطالع الصنائع بإحسانه، واتسقت مناظم سلكه، في مراسم ملكه، وجرى مدار فلكه على مراد ملكه وكانت مربيطر مربض جياده، ومنهض أجناده، ومربط أفراس بأسه، ومسقط رأس إيناسه، والدهر مسالمه، والقدر مساعده، والأمل مساعفه، والوطر معاضده، فأخذها منه ابن رزين، وتركه على أرض السائب الحزين، وانعكس حظه، وانتكس لحظه، ونابه القدر في قدره النابه السلطان بنابه السلط، وشابه العير من دهره المتشابه الحدثان بعد الرفع بالحط، ورابه الزمن بالمكاره دون مكارمه، وحار مهتما في بحار مهامه بحارمه.

وله نظم نظمأ إلى مناهل ورده، ونجتلي الحسن من مطالع سعده، فمن ذلك قوله في خليط مزائل، وحبيب راحل:

سقى أرضا ثوَوْها كل مزن ... وسايرهم سرور وارتياح

فما ألوى بهم ملل ولكن ... صروف الدهر والقدر المتاح

سأبكي بعدهم حزنا عليهم ... بدمع في أعنّته جماع

وقال:

قم يا نديم أدر عليَّ القَرْقَفَا ... أو ما ترى زهر الرياض مفوّفا

فتخال محبوبا مدلا وردها ... وتظن نرجسها محبا مدنفا

والجلنار دماء قتلى معرك ... والياسمين حباب ماء قد طفا

وقال يعاتب بعض إخوانه ويخاطب بعض خلانه:

لحى الله قلبي كم يحنّ إليكم ... وقد بعتُمُ حظّي وضاع لديكم

إذا نحن أنصفناكم من نفوسنا ... ولم تنصفونا فالسلام عليكم

وقال بعد التسلط عليه في سلطانه، يحن إلى أوطاره في أوطانه:

يا ليت شعري وهل في ليت من أرب ... هيهات لا تنقضي من ليت آراب

وأين تلك الليالي إذ تلم بنا ... فيها وقد نام حرّاس وحجّاب

أين الشموس التي كانت تطالعنا ... والجو من فوقه لليل جلباب

تهدي إلينا لجينا حشوه ذهب ... أنامل العاج والأطراف عنّاب

وقال يندب أيامه الموسومة السعود بالإشراق، المنظومة العقود على الاتساق، ويذكر تعثر آماله، وتغير أحواله:

خليليّ عوجا بي على مسقط اللوى ... لعل رسوم الدار أن تتغيرا

وأسأل عن ليل تولى بأنسنا ... وأندب أياما تقضّت وأعصرا

لياليَ إذ كان الزمان مُسَالِماً ... وإذ كان غصن العيش فينان أخضرا

وإذ كنت أسقى الراح من كف أغيد ... يناولنيها رائحا ومبكرا

أعانق منه الغصن يهتز ناعما ... وألثم منه البدر يطلع مقمرا

وقد ضربت أيدي الأماني رواقها ... علينا وكف الدهر عنا وأقصرا

فما شئت من لهو وما شئت من ددٍ ... ومن مبسم يجنيك عذبا مؤشّرا

وما شئت من عود يغنيك مفصحا ... سما لك شوق بعد ما كان قصرا

ولكنّها الدنيا تخادع أهلها ... تَغُرُّ بصفو وهي تطوي مكدّرا

لقد اوردتني بعد ذلك كله ... موارد ما ألفيت عنهنّ مصدرا

وكم كابدت نفسي لها من ملمّة ... وكم بات طرفي من أساها مسهرّا

خليليّ ما بالي على صدق عزمتي ... أرى من زماني ونْيةً وتعذرا

ووالله ما أدري لأيّ جريمة ... تجنّى ولا عن أيّ ذنب تغيّرا

ولم أك عن كسب المكارم عاجزا ... ولا كنت في نيل أنيل مقصّرا

لئن ساء تمزيق الزمان لدولتي ... لقد رد عن جهل كثير وبصّرا

وأيقظ من نوم الغرارة نائما ... وكسّب علما بالزمان وبالورى

وقال:

يا رب ليل شربنا فيه صافية ... صفراء في لونها تنفي التباريحا

نرى الفراش على الأكواس ساقطة ... كأنّها أبصرت منها مصابيحا

وقال يأنف من المقام والربوض، ويتقاضى عزمه بالسير والنهوض، ويعاف ما رتب له من الإجراء، ويميل إلى الإدلاج والإسراء:

ذروني أجُبْ شرق البلاد وغربها ... لأسعى بنفسي أو أموت بدائي

<<  <  ج: ص:  >  >>